أحدهما: أنه من باب إضافة النوع إلى جنسه، أى أعوذ بك من هذا النوع من الأعمال.
والثانى: أن المراد به عقوبات الأعمال التى تسوء صاحبها.
فعلى الأول: يكون قد استعاذ من صفة النفس وعملها.
وعلى الثانى: يكون قد استعاذ من العقوبات وأسبابها.
ويدخل العمل السيئ فى شر النفس. فهل المعنى: ما يسوءنى من جزاء عملى، أو من عملى السيئ؟ وقد يترجح الأول، فإن الاستعاذة من العمل السيئ بعد وقوعه إنما هى استعاذة من جزائه وموجبه، وإلا فالموجود لا يمكن رفعه بعينه.
وقد اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم، وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها وتركها بمخالفتها والظفر بها.
فإن الناس على قسمين: قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعا لها تحت أوامرها. وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعا لهم منقادة لأوامرهم.
قال بعض العارفين: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم. فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك. قال تعالى:
{فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الحياةَ الُّدنْيَا * فَإنَّ الجحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنّ الجنَّةَ هِىَ المَأْوَى} [النازعات: ٣٧ - ٤١] .
فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو عبده إلى خوفه ونهى النفس عن الهوى. والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعى مرة وإلى هذا مرة وهذا موضع المحنة والابتلاء، وقد وصف سبحانه النفس فى القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، والأمارة بالسوء، واللوامة.
فاختلف الناس: هل النفس واحدة، وهذه أوصاف لها؟ أم للعبد ثلاث أنفس؟: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة.
فالأول قول الفقهاء والمتكلمين وجمهور المفسرين وقول محققى الصوفية.
والثانى قول كثير من أهل التصوف.