للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتحقيق: أنه لا نزاع بين الفريقين، فإنها واحدة باعتبار ذاتها، وثلاث باعتبار صفاتها. فإذا اعتبرت بنفسها فهى واحدة، وإن اعتبرت مع كل صفة دون الأخرى فهى متعددة، وما أظنهم يقولون إن لكل أحد ثلاث أنفس قائمة بذاتها مساوية للأخرى فى الحد والحقيقة، وأنه إذا قبض العبد قبضت له ثلاث أنفس، كل واحدة مستقلة بنفسها.

وحيث ذكر سبحانه النفس، وأضافها إلى صاحبها، فإنما ذكرها بلفظ الإفراد، وهكذا فى سائر الأحاديث، ولم يجئ فى موضع واحد "نفوسك" و "نفوسه" ولا "أنفسك" و"أنفسه" وإنما جاءت مجموعة عند إرادة العموم، كقوله:

{وَإذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: ٧]

أو عند إضافتها إلى الجمع، كقوله صلى الله عليه وسلم:

"إنّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ".

ولو كانت فى الإنسان ثلاث أنفس لجاءت مجموعة إذا أضيفت إليه ولو فى موضع واحد.

فالنفس إذا سكنت إلى الله، واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إلى لقائه، وأنست بقربه، فهى مطمئنة، وهى التى يقال لها عند الوفاة.

{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمِئنَّةُ ارْجِعِى إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةَ} [الفجر: ٢٧-٢٨] .

قال ابن عباس: "يا أيتها النفس المطمئنة". ارجعى إلى ربك راضية مرضية يقول: المصدقة، وقال قتادة: "هو المؤمن، اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله" وقال الحسن: "المطمئنة بما قال الله. والمصدقة بما قال" وقال مجاهد: "هى المنيبة المخبتة التى أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشا لأمره وطاعته، وأيقنت بلقائه".

وحقيقة الطمأنينة: السكون والاستقرار، فهى التى قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره، ولم تسكن إلى سواه، فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره، واطمأنت إلى أمره ونهيه وخبره، واطمأنت إلى لقائه ووعده، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، واطمأنت إلى الرضى به ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا واطمأنت إلى قضائه وقدره، واطمأنت إلى كفايته وحسْبِه وضمانه، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك أمرها كله، وأن مرجعها إليه، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين.

<<  <  ج: ص:  >  >>