وإذا كانت بضد ذلك فهى أمارة بالسوء تأمر صاحبها بما تهواه: من شهوات الغى، واتباع الباطل، فهى مأوى كل سوء، وإن أطاعها قادته إلى كل قبيح وكل مكروه. وقد أخبر سبحانه أنها أمارة بالسوء، ولم يقل "آمرة" لكثرة ذلك منها، وأنه عادتها ودأبها إلا إذا رحمها الله وجعلها زاكية تأمر صاحبها بالخير، فذلك من رحمة الله، لا منها. فإنها بذاتها أمارة بالسوء؛ لأنها خلقت فى الأصل جاهلة ظالمة، إلا من رحمه الله، والعدل والعلم طارئ عليها بإلهام ربها وفاطرها لها ذلك، فإذا لم يلهمها رشدها بقيت على ظلمها وجهلها. فلم تكن أمارة إلا بموجب الجهل والظلم، فلولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكت منهم نفس واحدة.
فإذا أراد الله سبحانه بها خيرا جعل فيها ما تزكو به وتصلح: من الإرادات والتصورات، وإذا لم يرد بها ذلك تركها على حالها التى خلقت عليها من الجهل والظلم.
وسبب الظلم: إما جهل، وإما حاجة. وهى فى الأصل جاهلة. والحاجة لازمة لها، فلذلك كان أمرها بالسوء لازما لها إن لم تدركها رحمة الله وفضله.
وبهذا يعلم أن ضرورة العبد إلى ربه فوق كل ضرورة، ولا تشبهها ضرورة تقاس بها، فإنه إن أمسك عنه رحمته وتوفيقه وهدايته طرفة عين خسر وهلك.
فصل
وأما اللوامة فاختلف فى اشتقاق هذه اللفظة، هل هى من التلوم، وهو التلون والتردد، أو هى من اللوم؟ وعبارات السلف تدور على هذين المعنيين.
قال سعيد بن جبير:"قلت لابن عباس: ما اللوامة؟ قال: هى النفس اللئوم".
وقال مجاهد:"هى التى تُنَدِّم على ما فات وتلوم عليه".
وقال قتادة:"هى الفاجرة" وقال عكرمة: "تلوم على الخير والشر" وقال عطاء عن ابن عباس: "كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة، تلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحسانا، وتلوم المسىء نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته".
وقال الحسن:"إن المؤمن، والله، ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاته؛ يستقصرها فى كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضى قدما لا يعاتب نفسه".