للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه عبارات من ذهب إلى أنها من اللوم.

وأما من جعلها من التلوم فلكثرة ترددها وتلومها، وأنها لا تستقر على حال واحدة.

والأول أظهر، فإن هذا المعنى لو أريد لقيل: المتلومة. كما يقال: المتلونة والمترددة. ولكن هو من لوازم القول الأول، فإنها لتلومها وعدم ثباتها تفعل الشىء ثم تلوم عليه. فالتلوم من لوازم اللوم.

والنفس قد تكون تارة أمارة، وتارة لوامة، وتارة مطمئنة، بل فى اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا. والحكم للغالب عليها من أحوالها، فكونها مطمئنة وصف مدح لها. وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها. وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه.

والمقصود: ذكر علاج مرض القلب باستيلاء النفس الأمارة عليه. وله علاجان: محاسبتها، ومخالفتها، وهلاك القلب من إهمال محاسبتها، ومن موافقتها واتباع هواها، وفى الحديث الذى رواه أحمد وغيره من حديث شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكَيسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله" دان نفسه: أى حاسبها.

وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم فى الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وَتَزَيَّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".

وذكر أيضا عن الحسن قال: "لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: وماذا أردت

تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟. والفاجر يمضى قدما قدما لا يحاسب نفسه". وقال قتادة فى قوله تعالى:

{وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: ٢٨] .

أضاع نفسه وغبن، مع ذلك تراه حافظا لماله مضيعا لدينه.

وقال الحسن: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".

<<  <  ج: ص:  >  >>