وقال أبو سعيد الخراز:"كلما بدا حرف من الأحرف من كتاب الله عز وجل على قدر قربك وحضورك عنده، فله مشرب وفهم غير مخرج الفهم الآخر. وإذا سمعت بقوله {الم، ذَلِكَ} فللألف علم يظهر في الفهم غير ما يظهر اللام. وعلى قدر المحبة وصفاء الفكر ووجود القرب يقع التفاوت في الفهم". اهـ.
وجاء في اللمع أن سهل بن عبد الله قال:"لو أعطي العبد لكل حرف من القرآن ألف فهم لما بلغ نهاية ما جعل الله في آية في كتاب الله تعالى من الفهم؛ لأنه كلام الله وصفته".
وكما أنه ليس لله نهاية، فكذلك لا نهاية لفهم كلامه؛ وإنما يفهمون على مقدار ما يفتح الله تعالى على قلوب أوليائه من فهم كلامه، وكلام الله غير مخلوق، فلا تبلغ إلى نهاية الفهم فيه فهوم الخلق.
والصوفية يقررون أن طريق الفهم العميق للقرآن الكريم مفتاحه العمل بالقرآن؛ ولذلك يقول أبو سعيد: أول الفهم لكتاب الله تعالى العمل به؛ لأن فيه العلم والفهم والاستنباط. وأول الفهم: إلقاء السمع والمشاهدة؛ لقوله عز وجل:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} . وقال تعالى:{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} .
ويرون أن الذين تنكشف لهم الخزائن المذخورة تحت كل آية؛ بل تحت كل حرف في القرآن الكريم؛ إنما هم الراسخون في العلم، الذين رسخوا بأرواحهم في غيب الغيب وفي سر السر، يعرفهم ما عرفهم وأراد منهم من مقتضى الآيات ما لم يرد من غيرهم، وخاضوا في بحر العلم بالفهم لطلب