مفسر القرآن لا يبين كلام مخلوق حتى يُتسامح معه؛ وإنما يحاول بجهده أن يوضح المراد ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، والعلوم الأخرى تتقارب فيها العلماء وتدنو فيها الأفهام، أما علم التفسير، فالناس يتباينون فيه على قدر قربهم من الله وبُعْدِهم عنه، وعلى مقدار ما حصَّلوه من علوم، إتقانًا وفهمًا، وتوفيقًا وإخفاقًا.
وفي نهاية المطاف يسلمون بعجزهم عن إدراك المراد كله، وكلام الله كامل، وليس الكمال من الدنيا ولا هو في طبيعتها ولا هو شيء يُدرك؛ ولكن من عظمة الكمال أن استمرار العمل له هو إدراكه.
وكلام الله ورسوله قريب كالروح في جسمها البشري، بعيد كالروح في سرها الإلهي، فاض من لسان وراؤه قلب، وراؤه نور، وراؤه الله {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
وفي القرآن الحكيم لطائف وإشارات، تبدو للبعض وتخفى على البعض {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} . والقرآن بلسان عربي مبين.
وأول ما يتعين على المفسر تحصيله علم اللغة؛ ليعرف به شرح المفردات ومدلولاتها بحسب الوضع، ولا يكفي في حقه معرفة اليسير من اللغة؛ فقد يكون اللفظ مشتركًا، وهو يعلم أحد معانيه ولا يعلم الباقي؛ بينما هو المراد، وقد قال مجاهد:"لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالمًا بلغات العرب".