للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقرآن صفَّى اللغة من أكدارها، وأجراها في ظاهرها على بواطن أسرارها؛ فجاء بها في ماء الجمان أملأ من السحاب، وفي طراءة الخلق أجمل من الشباب.

الثاني: النحو؛ لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب، فلا بد من معرفة وجوه الإعراب بعد فهم المعنى أولًا؛ إذ الإعراب فرع المعنى. وقد أخطأ قوم فجعلوا الإعراب هو الأصل ورتبوا عليه المعنى. فجانبهم الصواب، مثاله: عطفهم قوله تعالى "عن قوم شعيب": {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} .

عطفوا {أَوْ أَنْ نَفْعَلَ} على {أَنْ نَتْرُكَ} ففسد المعنى، وصار التصرف في المال كما يشاءون مأمور به؛ لأنه معطوف على {أَنْ نَتْرُكَ} وهو مأمور به، مع أن التصرف منهي عنه، فهو معطوف على "ما" المعمول لنترك.

وقد سئل الحسن عن الرجل يتعلم العربية، يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته، فقال للسائل: "حسن فتعلمها؛ فإن الرجل يقرأ الآية فيعنى بوجهها فيهلك فيها"..

والمراد بالعربية هنا الإعراب وهو النحو. ويقال: ما وُضعت قواعد النحو إلا للقضاء على شيوع اللحن، وسماع بعض القراء يقرأ: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} بكسر اللام، نعوذ بالله من ذلك.

الثالث: التصريف؛ إذ به يعرف المفسر أبنية الكلمات وموازينها وصيغتها، فإذا وجد كلمة مبهمة استطاع معرفة مادتها ومعناها، ومن جهل علم التصريف تعرَّض لأخطاء مضحكة في التفسير.

<<  <   >  >>