وليس لأحد أن يستنبط من القرآن على وفق ما يهوى١؛ بل هناك قواعد عامة وخاصة تحكمه وتقيده.. فمن القواعد العامة على سبيل المثال أنه لا ضرر ولا ضرار. وأن الدين يسر. وأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح. وأن غلبة الظن تكفي في الفروع بخلاف العقائد، فلا تثبت إلا بالأدلة اليقينية، والعقل مدرك لوجه الحسن أو القبح وليس بمثبت لهما؛ لأنه يتأثر بالانفعالات النفسية وغيرها من المؤثرات. وحقيقة الرأي ما يراه الرائي بقلبه عاملًا فكره عند تعارض الأمارات. ولا تستقيم الفتوى إلا بفهم الواقع وفهم الواجب، قال تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} .
فالأصل في الواقع الصدق، والأصل في الواجب العدل.
والألفاظ إحدى الأدلة على فهم مراد المتكلم، وقد يفهم بأدلة أخرى؛ كالإشارة والسياق.
والصواب اتباع الألفاظ في العبادات، واتباع المقاصد في العقود، ولا واجب مع عجز، كما أنه لا حرام مع ضرورة، وفعل المحظور نسيانًا لا أثر له، بخلاف ترك المأمور نسيانًا؛ فإنه تجب الإعادة.
والمصلحة المرسلة التي يجب على المستنبط مراعاتها وتؤخذ من مقاصد الشرع، فهي وسائل إلى تحقيق مقاصد الشرع، قد عرفوها بأنها ما نيطت بأمر مناسب في الجملة، لم يعتبره الشرع ولم يلغه؛ كجمع المصحف وتشكيل حروفه وتعجيمها. فكل ذلك من الوسائل التي هي مقدمات لمقصد الشرع من التعرف على القرآن تعريفًا صحيحًا.
١ ليس لكل أحد أن يدعي الاجتهاد والعلم؛ كالفوضى التي تحدث كل يوم في زماننا؛ بل شروط المجتهد أن يعرف مصادر الإسلام، وأن يكون عالمًا باللغة، والنحو، والناسخ والمنسوخ، والمنطق، وعلوم الحديث، مستوعبًا لأصول الفقه، واقفًا على أحاديث الأحكام وآياتها، عدلًا في قبول فتواه. فهذه الشروط لا يرتاب فيها أحد.. ولعلها توقف الذين يتهجمون على النصوص الإسلامية بالتخبط فيها، لا عن علم؛ ولكن عن حماقة وجهل.