للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما القسم، فالقصد منه تحقيق الخبر وتوكيده..

ولا يقال: المؤمن ليس في حاجة إلى توكيد، والجاحد لا ينتفع بهذا التوكيد؛ لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي، والعرب تقسم للتوكيد..

ويثبت الخبر إما بالإشهاد عليه، أو توكيده باليمين. وفي القرآن: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} وفيه: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} .. ولما سمعها بعض الأعراب صاح قائلًا: مَن الذي أغضب الجليل حتى ألجأه إلى اليمين..

ولا يكون القسم إلا بمعظَّم، وقد أقسم الله بنفسه في مواضع من كتابه فقال: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} ، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .. وكما أقسم بذاته أقسم ببعض مخلوقاته؛ إما للفت الأنظار إليها، وإما لأنها مربوبة له مع ما اشتملت عليه من سر.. ويكون القسم بربها كقوله: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} ..

ومن حقه سبحانه وتعالى أن يُقسم بما شاء، وليس لنا أن نقسم إلا بالله، وقد أقسم الله بنبيه في قوله: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} .. وذلك ليعرف الناس بمكانته صلى الله عليه وسلم.

وأيًّا ما كان، فالقسم إما بالفعل الحقيقي؛ كالقسم بذات الله.

وإما بالفعل؛ كقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} بناء على أن "ما" مصدرية..

وإما القسم بالمفعول، وتعظيم المصنوع تعظيم الصانع؛ كقوله: {وَالتِّينِ} ..

والقسم إما ظاهر كالنصوص السابقة.. أو مدلولًا عليه باللام الواقعة في جوابه؛ نحو: {لَتُبْلَوُنَّ} .. أو مفهومًا من السياق؛ نحو: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} ..

<<  <   >  >>