للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما في {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ١؛ إذ النصب نص في عموم خلق الأشياء خيرها وشرها بقدر، وهو المقصود، وفي الرفع إيهام كون الفعل وصفا مخصصا، و"بقدر" هو الخبر، وليس المقصود؛ لإيهامه وجود شيء لا بقدر؛ لكونه غير مخلوق؛ ولم يعتبر سيبويه مثل هذا الإيهام مرجحا للنصب، وقال: النصب في الآية مثله في "زيدا ضربته" قال: وهو عربي كثير، وقد قرئ بالرفع، لكن على أن "خلقناه" في موضع الخبر للمبتدأ، والجملة خبر "إن"، و"بقدر" حال؛ وإنما كان النصب نصا في المقصود لأنه لا يمكن حينئذ جعل الفعل وصفا؛ لأن الوصف لا يعمل فيما قبله فلا يفسر عاملا فيه؛ ومن ثم وجب الرفع في قوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} ٢.

"المواضع التي يجوز فيها نصب الاسم المتقدم أو رفعه":

٢٦٢-

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا ... به عن اسم فاعطفن مخيرا

"وإن تلا المعطوف" جملة ذات وجهين غير تعجبية: بأن تلا "فعلا مخبرا به" مع معموله "عن اسم" غير "ما" التعجبية "فاعطفن مخيرا" في اسم الاشتغال بين الرفع والنصب على السواء، بشرط أن يكون في الثانية ضمير الاسم الأول، أو عطف بالفاء، نحو: "زيد قام وعمرو أكرمته في داره"، أو "فعمرا أكرمته" برفع "عمرو" ونصبه: فالرفع مراعاة للكبرى، والنصب مراعاة للصغرى؛ ولا ترجيح؛ لأن في كل منهما مشاكلة، بخلاف "ما أحسن زيدا وعمرو أكرمته عنده"؛ فإنه لا أثر للعطف فيه، فإن لم يكن في الثانية ضمير الاسم الأول ولم تعطف بالفاء فالأخفش والسيرافي يمنعان النصب، والفارسي وجماعة -منهم الناظم- يجيزونه وقال هشام: الواو كالفاء، وهو ما يقتضيه كلام الناظم.

تنبيه: شبه العاطف في هذا أيضا كالعاطف، وشبه الفعل كالفعل؛ فالأول نحو: "أنا ضربت القوم حتى عمرا ضربته"، والثاني نحو: "هذا ضارب زيدا وعمرا يكرمه"، برفع "عمرو" ونصبه على السواء فيهما.


١ القمر: ٤٩.
٢ القمر: ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>