للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"كلمته فاهُ إلى في"١، وأرسلها العراكَ٢، و"جاءوا الجماءَ الغفيرَ"٣؛ فـ"وحدك" و"فاه"، و"العراك"، و"الجماء": أحوال؛ وهي معرفة لفظا، لكنها مؤولة بنكرة، والتقدير: اجتهد منفردا، وكلمته مشافهة، وأرسلها معتركة، وجاءوا جميعا.

وإنما التزم تنكيره لئلا يتوهم كونه نعتا؛ لأن الغالب كونه مشتقا وصاحبه معرفة.

وأجاز يونس والبغداديون تعريفه مطلقا بلا تأويل؛ فأجازوا: "جاء زيدٌ الراكبَ".

وفصل الكوفيون فقالوا: إن تضمنت الحال معنى الشرط صح تعريفها لفظا، نحو: "عبد الله المحسنَ أفضل منه المسيءَ"، فـ"المحسن" و"المسيء": حالان، وصح مجيئهما بلفظ المعرفة لتأولهما بالشرط؛ إذ التقدير: عبد الله إذا أحسن أفضل منه إذا أساء؛ فإن لم تتضمن الحال معنى الشرط لم يصح مجيئها بلفظ المعرفة؛ فلا يجوز: "جاء زيد الراكب"؛ إذ لا يصح: جاء زيد إن ركب.

تنبيه: إذا قلت: "رأيت زيدا وحده" فمذهب سيبويه أن "وحده" حال من الفاعل، وأجاز المبرد أن يكون حالا من المفعول، وقال ابن طلحة: يتعين كونه حالا من المفعول؛ لأنه إذا أراد الفاعل يقول: "رأيت زيدا وحدي"، وصحة "مررت برجل وحده" -وبه مثل سيبويه- تدل على أنه حال من الفاعل، وأيضا فهو مصدر أو نائب المصدر، والمصادر في الغالب إنما تجيء أحوالا من الفاعل.

وذهب يونس إلى أنه منتصب على الظرفية؛ لقول بعض العرب: "زيد وحده"، والتقدير: زيد موضع التفرد.


١ هذا القول من أمثال العرب وقد ورد في لسان العرب ١٣/ ٥٢٨ "فوه"؛ والمستقصى ٢/ ٦١؛ ومجمع الأمثال ١/ ٢٠٠. ويروى "حدثني فاه إلى في" أي: مشافها وليس بيننا شيء.
٢ قد وردت هذه الجملة في بيت للبيد "من الوافر":
فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدخال
٣ هذا القول من أمثال العرب وقد ورد في الألفاظ الكتابية ص٩٥؛ وجمهرة الأمثال ١/ ٣١٦؛ ولسان العرب ٥/ ٢٧ "غفر"، ٦/ ٢٧١ "جحش"، ١٢/ ١٠٩ "جمم"، أي: بكثرة، وقيل: معناه: جاءوا ولم يتخلف منهم أحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>