فى آخر نعمهم، وأبو الحسن البلزمىّ وكان أميرا مع الماذرائيّين «١» مجبورا «٢» على الإمارة يذهب بنفسه عن أحوال الوزارة الى التواضع بذمّ الدنيا وقلّة الحفل بالمقبل منها ولحق الاخشيذ فأحسن اليه وبالغ فى إكرامه وزاد فى أرزاقه وجرايته وكان يقول أبو الحسن طريق المعروف والسبيل الى صلاح الخاصّة والعامّة والقاضى حقّه كالقاضى حقّ نفسه لأنّ اكتسابه المحامد به حال لا تجدها مع سواه ولا تراها مع غيره، (٥٤) ويقارب القيروان سجلماسه فى صحّة الهواء [٢٩ ب] ومجاورة البيداء مع تجارة غير منقطعة منها الى بلد السودان وسائر البلدان وأرباح متوافرة ورفاق متقاطرة وسيادة فى الأفعال وحسن كمال فى الأخلاق والأعمال يخرجون برسومهم عن دقّة أهل المغرب فى معاملاتهم وعاداتهم الى عمل بالظاهر كثير وتقدّم فى أفعال الخير شهير وحنوّ بعض على بعض من جهة المروءة والفتوّة وإن كانت بينهم الحنات والترات القديمة تواضعوها عند الحاجة واطّرحوها رياسة وسماحة وكرم سجيّة تختصّهم وأدب نفوس وقف عليهم بكثرة أسفارهم وطول تغرّبهم عن ديارهم وتعزّبهم من أوطانهم، ودخلتها فى سنة أربعين فلم أر بالمغرب أكثر مشايخ فى حسن سمت وممازجة للعلم وأهله الى سعة نفوس عالية وهم سامقة سامية، وسائر أرباب المدن دونهم فى اليسار وسعة الحال ونتقارب بالعصبيّة أوصافهم وتتشاكل أحوالهم ولقد رأيت باودغست صكّا فيه ذكر حقّ لبعضهم على رجل من تجّار اودغست وهو من أهل سجلماسه باثنين وأربعين ألف دينار وما رأيت ولا سمعت بالمشرق لهذه الحكاية شبها ولا نظيرا ولقد حكيتها بالعراق وفارس وخراسان فاستطرفت، ولم يزل المعتزّ «٢١» أيّام ولايتها وهو أميرها يجتبيها من قوافل خارجة الى بلد السودان وعشر وخراج وقوانين قديمة [على]«٢٣» ما يباع بها ويشترى من إبل وغنم وبقر الى ما يخرج عنها ويدخلها من نواحى افريقية وفاس والاندلس والسوس