لا يأكله كلّ يوم أو يؤكل فى داره صباح مساء من سائر طبقاتهم وهو الذي أفسد تخيّلهم وضرّ أدمغتهم وحيّر حواسّهم وغيّر عقولهم ونقص أفهامهم وبلّد معارفهم وأفسد سحنة وجوههم وأحال أمزجتهم حتّى رأوا الأشياء «٤» أو أكثرها على خلاف ما هى به، (٨) وممّا يؤيّد قولى ويشهد ببرهانه ما حكاه يوسف بن إبراهيم الكاتب فى كتاب أخبار الأطبّاء عند نزوله بدمشق على عيسى بن الحكم وهو المسيح «٧» المتطبّب قال ذاكرته بالبصل فلم يزل فى ذمّه ووصف معائبه وكان عيسى وسلمويه بن بيان يسلكان طريق الرهبان «٨» ولا يحمدان شيئا يزيد [٣٦ ب] فى الباءة ويقولان أنّ ذلك يتلف الأبدان ويذهب الأنفس فلم أستحسن الاحتجاج عليه بزيادة البصل فى الباءة فقلت قد رأيت منه فى سفرى هذا منفعة فسأل عنها فقلت إنّى كنت أذوق الماء فى بعض المناهل فأجده كريها فآكل البصل وأعاود شربه فأجد حاله قد نقصت وكان عيسى قليل الضحك فاستضحك من قولى ثمّ استرجع بجزع منه وقال يعزز علىّ أن يغلط مثلك هذا الغلط لأنّك صرت الى أسمج نكتة فى البصل فجعلتها منقبة يا هذا أليس متى حدث بالدماغ فساد فسدت الحواسّ حتّى ينقص حسّ الشمّ وحسّ الذوق والسمع والبصر فقلت اجل فقال إنّ خاصّيّة البصل إحداث فساد فى الدماغ وإنّما قلّل حسّك لملوحة الماء ولكراهيته ما أحدثه البصل فى دماغك من الفساد، وهذه قضيّة عقليّة فأمّا نتيجتها فليس بالبلد عاقل ولا فاضل ولا عالم بالحقيقة بفنّ من فنون العلم ولا ذو مروءة ولا متديّن والغالب عليه الرعاع وأكثر أهله سقّاط أوضاع لا عقول لهم ولا دين كامل وأكثرهم برقجانه وموال يدّعون ولاء قوم افتتحوها وقد هلكوا، (٩) وحدّثنى غير إنسان منهم أنّ عثمن بن الخرّاز ولى قضاءهم وكان ورعا قد ركن الى قوم منهم فى العدالة والشهادة ووقف آخرين عن قبولهم