محراب الجامع جالسا وبيده قضيّة لهما فى مهر وهو مقبل على قراءتها فكلما مرّ له فصل [داوم]«٢» على تقريظه لحسن ما تأتّى «٣» له من المعانى الجيّدة والشروط البديعة واستيفاء أسباب البلاغة وهما سكوت وهو مع كلّ فصل يفعل ذلك الى أن قام من المحراب وكان فيه متصدّرا كالقضاة فجلس بين أيديهما ولم يزل يقرأه ويعيد وصفه ويقول ما أراكما تسمعان هذه الحكومة التى ما حكم بمثلها والله أحد على وجه الأرض وأعاد قراءتها ثمّ رجع الى مكانه من المحراب، قال وكان ربّما مدّ يده الى الخصوم بالضرب، وأخبرنى جماعة منهم أنّ رجلا تقدّم اليه بخصم له فراجعه فى مناظرته وكان بين يديه مقصّ كبير فأخذه وأومأ به الى الرجل ليضربه فى وجهه فأقبل الرجل على نعل إسحاق وكانت بين يديه فتناولها فقال ولم مسست نعلى لتضربنى بها فقال لا ولكن خشية أن تقصد بالمقصّ وجهى لأتّقى بها منك، وله أخبار كثيرة فى أنواع من الجنون والخباط كان من مجانين المعلّمين وحمقاهم وكان من كبارهم وعليتهم، (١١) والغالب على البلد المعلّمون والمكاتب به فى كلّ مكان وهم فيه على طبقات مختلفة ومنازل شتّى متباينة من الصراع والخباط على ما يفوق جنون معلّى كلّ بلد وحمقى كلّ ناحية حتّى أنّهم المتكلّمون على السلطان فى سيره واختياراته والإطلاق بالقبائح من ألسنتهم بمعائبه وإضافة «١٧» محاسنه الى قبائحه، وبالبلد «١٨» منهم ما يقارب ثلثمائة معلّم ولم ينقص من ذلك إلّا القليل وليس كهذه العدّة بمكان من الأماكن ولا فى بلد من البلدان وإنّما توافرت عدّتهم مع قلّة منفعتهم لفرارهم من الغزو ورغبتهم عن الجهاد وذلك أنّ بلدهم ثغر من ثغور الروم وناحية تحادّ العدوّ والجهاد فيهم لم يزل قائما والنفير دائما مذ فتحت صقلّيه وولاتهم لا يفترونه وإذا نفروا لم يفتروا بالبلد أحدا إلّا من بذل الفدية عن نفسه أو أقام العذر فى نخلّفه مع رابطة السلطان وكان قد سبق الرسم بإعفاء المعلّمين قديما بينهم من