الفسطاط وعلى فرسخين منها ارتفاع كلّ واحد منهما أربع مائة ذراع وعرضه كارتفاعه مبنىّ بحجارة الكذّان التى سمك الحجر وطوله وعرضه من العشر الأذرع الى الثمان حسب ما دعت الحاجة الى وضعه فى زيادته ونقصه وأوجبته الهندسة عندهم لأنّهما كلّما ارتفعا فى البناء ضاقا حتّى يصير أعلاهما من كلّ واحد مثل مبرك جمل وقد ملئت حيطانهما «٥» بالكتابة اليونانيّة «٦» ، وفى داخل كلّ واحد منهما طريق كان يسير فيه الناس رجّالة الى أعلاه وفى ذين الهرمين مخترق فى باطن الأرض واضح من أحدهما الى الآخر وقد ذكر قوم أنّهما قبران وليسا كذلك وإنّما حدا صاحبهما أن عملهما أنّه قضى بالطوفان وهلاك جميع ما على وجه الأرض إلّا ما حصّن فى مثلهما فخزن ذخائره وأمواله فيهما وأتى الطوفان ثمّ نضب فصار ما كان فيهما الى بيصر بن نوح وقد خزن فيهما بعض الملوك المتأخّرين أهراءه، (٢٠) ومن جليل مدنها وفاخر خواصّها ما خصّت به تنّيس «١٣» ودمياط وهما جزيرتان بين الماء المالح والعذب أكثر السنة فى وجه النيل لا زرع فيهما ولا ضرع بهما وفيهما يتّخذ ويعمل رفيع الكتّان وثياب الشرب والدبيقىّ والمصبّغات من الحلل التنّيسيّة التى ليس فى جميع الأرض ما يدانيها فى القيمة والحسن والنعمة والترف والرقّة والدقّة وربّما بلغت الحلّة من ثيابها مائين دنانير «١٨» إذا كان فيها ذهب، وقد يبلغ ما لا ذهب فيه منها مائة دينار وزائدا وناقصا وجميع ما يعمل بها من الكتّان فربّما «١٩» بلغ مثقال غزل من غزولها دنانير، وإن كانت شطا ودبقوا ودميره وتونه وما قاربهم بتلك الجزائر يعمل بها الرفيع من هذه الأجناس فليس ذلك بمقارب للتنّيسىّ والدمياطىّ والشطوىّ ممّا كان الحمل على عهدنا [٤٥ ب] يبلغ من عشرين ألف دينار الى ثلثين ألف دينار لجهاز العراق