ستمائة ميل وطول هذا الجون على التقوير إلى الإسكندرية أحد عشر مجرى ونصف وهي من الأميال ألف ميل ومائة وخمسون ميلا ومن آخر عمالة طلميثة المتقدم ذكرها يكون أول عمالة هيب ورواحة وهم قبائل من العرب أهل إبل وأغنام وثروة وبلادهم آمنة وادعة وبجبال أوثان حروث كثيرة وأهلها يتصيدون فيها وينبت بها البطم والعرعر والصنوبر كثيرا وفي هذه الجبال زراعات ومعائش ونخل كثير وعسل عجيب وآخر عمل هيب لكة وبعد البندرية على نحو عشرة أميال قصر كبير يسكنه قوم من لخم ويسمى القصر بهم وأهله كلهم عسالة يتخذون النحل ويشتارون عسلها وأكثرهم يستعملون قطع العرعر ثم يستخرجون منه القطران ويسافرون به إلى ديار مصر.
وأما الإسكندرية فهي مدينة بناها الإسكندر وبه سميت وهي مدينة على نحر البحر الملح وبها آثار عجيبة ورسوم قائمة تشهد لبانيها بالملك والقدرة وتعرب عن تمكن وبصر وهي حصينة الأسوار نامية الأشجار جليلة المقدار كثيرة العمارة رائجة التجارة شامخة البناء رائعة المغنى شوارعها فساح وعقائد بنيانها صحاح وفرش دورها بالرخام والمرمر وحنايا أبنيتها بالعمد المشمر وأسواقها كثيرة الاتساع ومزارعها واسعة الانتفاع والنيل الغربي منها يدخل تحت أقبية دورها كلها وتتصل دواميس بعضها ببعض وهي في ذاتها كثيرة الضياء متقنة الأشياء وفيها المنارة التي ليس على قرار الأرض مثلها بنيانا ولا أوثق منها عقدا أحجارها من صميم الكدان وقد أفرغ الرصاص في أوصالها فبعضها مرتبط ببعض معقود لا ينفك التئامها والبحر يصدم أحجارها من