المذهب وطيب المكسب وحسن الزي في الملابس والمراكب وعلو الهمة في المجالس والمراتب وجميل التخصيص في المطاعم والمشارب مع جميل الخلائق وحميد الطرائق ولم تخل قرطبة قط من أعلام العلماء وسادات الفضلاء وتجارها مياسير لهم أموال كثيرة وأحوال واسعة ولهم مراكب سنية وهمم علية وهي في ذاتها مدن خمسة يتلو بعضها بعضا بين المدينة والمدينة سور حاجز وفي كل مدينة ما يكفيها من الأسواق والفنادق والحمامات وسائر الصناعات وطولها من غربيها إلى شرقيها ثلاثة أميال وكذلك عرضها من باب القنطرة إلى باب اليهود بشمالها ميل واحد وهي في سفل جبل مطل عليها يسمى جبل العروس ومدينتها الوسطى هي التي فيها باب القنطرة وفيها المسجد الجامع الذي ليس بمساجد المسلمين مثله بنية وتنميقا وطولا وعرضا.
وطول هذا الجامع مائة باع مرسلة وعرضه ثمانون باعا ونصفه مسقف ونصفه صحن للهواء وعدد قسي مسقفه تسع عشرة قوسا وفيه من السواري أعني سواري مسقفه بين أعمدته وسواري قبلته صغارا وكبارا مع سواري القبة الكبيرة وما فيها ألف سارية وفيه مائة وثلاث عشرة ثريا للوقيد أكبر واحدة منها تحمل ألف مصباح وأقلها تحمل اثني عشر مصباحا وسقفه كله سماوات خشب مسمرة في جوائز سقفه وجميع خشب هذا المسجد الجامع من عيدان الصنوبر الطرطوشي ارتفاع خد الجائزة منه شبر وافر في عرض شبر إلا ثلاثة أصابع في طول كل جائزة منها سبعة وثلاثون شبرا وبين الجائزة