للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال عثمان: أرى مالًا كثيرًا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن يلتبس الأمر، فقال له الوليد بن هشام بن المغيرة، يا أمير المؤمنين قد جئت الشام فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانًا، وجندوا جنودًا فأخذ بقوله، فدعا عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم، وكانوا من نساب قريش، فقال: اكتبوا الناس على منازلهم، فكتبوا فبدءوا ببني هاشم، ثم أتبعوهم أبا بكر وقومه، ثم عمر وقومه على الخلافة، فلما نظر فيه عمر قال: ابدءوا بقرابة النبي -صلى الله عليه وسلم- الأقرب فالأقرب حتى تضعوا عمر حيث وضعه الله١.

وأخرج عن سعيد بن المسيب قال: دون عمر الديوان في المحرم سنة عشرين.

وأخرج عن الحسن قال: كتب عمر إلى حذيفة: أن أعطي الناس أعطيتهم وأرزاقهم، فكتب إليه: إنا قد فعلنا وبقي شيء كثير، فكتب إليه عمر: إنه فيئهم الذي أفاء الله عليهم، ليس هو لعمر ولا لآل عمر، اقسمه بينهم.

وأخرج ابن سعد عن جبير بن مطعم قال: بينما عمر واقف على جبل عرفة سمع رجلًا يصرخ، ويقول: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمعه رجل آخر وهم يعتافون فقال: ما لك! فك الله لهواتك؟ فأقبلت على الرجل فصحت عليه، فقال جبير: فإني الغد واقف مع عمر على العقبة يرميها إذ جاءت حصاة عائرة٢ ففتقت رأس عمر فقصدت، فسمعت رجلًا من الجبل يقول: أشعرت ورب الكعبة ولا يقف عمر هذا الموقف بعد العام أبدًا، وقال جبير: فإذا هو الذي صرخ فينا بالأمس، فاشتد ذلك علي٣.

وأخرج عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما كان آخر حجة حجها عمر بأمهات المؤمنين إذ صدرنا عن عرفة مررت بالمحصب فسمعت رجلًا على راحتله يقول: أين كان عمر أمير المؤمنين؟ فسمعت رجلًا آخر يقول: ههنا كان أمير المؤمنين، فأناخ راحلته ثم رفع عقيرته٤ فقال:

عليك سلام من إمام وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق

فمن يسع أو يركب جناحي ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق

فلم يتحرك ذلك الركب ولم يدر من هو، فكنا نتحدث أنه من الجن، فقدم عمر من تلك الحجة، فطعن بالخنجر فمات٥.


١ أخرجه ابن سعد في الطبقات "٢/ ٢٥٣، ٢٥٤".
٢ حصاة عائرة: لا يدري من رماها، النهاية "٣٢٨/٣".
٣ أخرجه ابن سعد في الطبقات "٢٨٤/٢".
٤ أي: رفع صوته بالغناء، قيل: أصله أن رجلًا قطعت رجله فكان يرفع المقطوعة على الصحيحة ويصيح من شدة وجعها بأعلى صوته فقيل لكل رافع صوته: رفع عقيرته. النهاية "٢٧٥/٣".
٥ أخرجه ابن سعد في الطبقات "٢٨٣/٢".

<<  <   >  >>