وكان صديقًا لعبد الملك بن مروان، فضرب يومًا على منكبيه، وقال: اتق الله في أمة محمد إذا ملكتهم، فقال: دعني ويحك ما شأني وشأن ذلك؟ فقال: اتق الله في أمرهم، قال: وجهز يزيد جيشًا إلى أهل مكة، فقال عبد الملك: أعوذ بالله أيبعث إلى حرم الله؟ فضرب يوسف منكبه وقال: جيشك إليهم أعظم.
وقال يحيى الغساني: لما نزل مسلم بن عقبة دخلت مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- فجلست إلى جنب عبد الملك، فقال لي عبد الملك: أمن هذا الجيش أنت؟ قلت: نعم، قال: ثكلتك أمك أتدري إلى من تسير؟ إلى أول مولود ولد في الإسلام، وإلى ابن حواري النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلى ابن ذات النطاقين، وإلى من حنكه النبي -صلى الله عليه وسلم- أما والله إن جئته نهارًا وجدته صائمًا، ولئن جئته ليلًا لتجدنه قائمًا، فلو أن أهل الأرض أطبقوا على قتله لأكبهم الله جميعًا في النار، فلما صارت الخلافة إلى عبد الملك وجهنا مع الحجاج حتى قتلناه.
وقال ابن أبي عائشة: أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف في حجره، فأطبقه وقال: هذا آخر العهد بك.
وقال مالك: سمعت يحيى بن سعيد يقول: أول من صلى في المسجد ما بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه، كانوا إذا صلى الإمام الظهر قاموا فصلوا إلى العصر، فقيل لسعيد بن المسيب: لو قمنا فصلينا كما يصلي هؤلاء، فقال سعيد بن المسيب: ليست العبادة بكثرة الصلاة والصوم، وإنما العبادة التفكر في أمر الله والورع عن محارم الله.
وقال مصعب بن عبد الله: أول من سمي في الإسلام عبد الملك: عبد الملك بن مروان، وقال يحيى بن بكير: سمعت مالكًا يقول: أول من ضرب الدنانير عبد الملك، وكتب عليها القرآن، وقال مصعب: كتب عبد الملك على الدنانير: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}[الإخلاص: ١] وفي الوجه الآخر: لا إله إلا الله، وطوقه بطوق من فضة، وكتب فيه: ضرب بمدينة كذا، وكتب خارج الطوق: محمد رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق.
وفي الأوائل للعسكري بسنده: كان عبد الملك أول من كتب في صدور الطوامير١: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- مع التاريخ، فكتب ملك الروم: إنكم أحدثتم في طواميركم شيئًا من ذكر نبيكم، فاتركوه وإلا أتاكم من دنانيرنا ذكر ما تكرهون، فعظم ذلك على عبد الملك، فأرسل إلى خالد بن يزيد بن معاوية فشاوره، فقال: حرم دنانيرهم، واضرب للناس سككًا فيها ذكر الله وذكر رسوله، ولا تعفهم مما يكرهون في الطوامير، فضرب الدنانير للناس سنة خمس وسبعين، وقال العسكري: وأول خليفة بخل عبد الملك، وكان يسمى: رشح الحجارة، لبخله، ويكنى: أبا الذبان، لبخره، قال: وهو أول من غدر في الإسلام، وأول من نهى عن الكلام بحضرة الخلفاء، وأول من نهي عن الأمر بالمعروف، ثم أخرج