إي والله، فلما أفضت الخلافة إلى عمر جاء خالد فقام مقام صاحب الحرس، فقال عمر: يا خالد ضع هذا السيف عنك وقال: اللهم إني قد وضعت لك خالدًا فلا ترفعه أبدًا، ثم نظر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن مهاجر الأنصاري، وقال: يا عمرو، والله لتعلمن أنه ما بيني وبينك قرابة إلا قرابة الإسلام، ولكن سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في وضع تظن ألا يراك أحد، فرأيتك تحسن الصلاة، وأنت رجل من الأنصار، خذ هذا السيف فقد وليتك حرسي.
وقال شعيب: حدثت أن عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز دخل على أبيه، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أنت قائل لربك غدًا إذا سألك فقال: رأيت بدعة فلم تمتها، أو سنة فلم تحيها؟ فقال أبوه: رحمك الله وجزاك من ولد خيرًا يا بني إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا عليّ فتقًا يكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون عليّ من أن يراق في سببي محجمة من دم، أو ما ترضى ألا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحيي فيه سنة؟
وقال معمر: قال عمر بن عبد العزيز: قد أفلح من عصم من المراء، والغضب، والطمع.
وقال أرطأة بن المنذر: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو اتخذت حرسًا واحترزت في طعامك وشرابك، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئًا دون القيامة فلا تؤمن خوفي.
وقال عدي بن الفضل: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب، فقال: اتقوا الله أيها الناس، وأجملوا في الطلب، فإنه إن كان لأحدكم رزق في رأس جبل أو حضيض أرض يأته.
وقال أزهر: رأيت عمرو بن عبد العزيز يخطب الناس وعليه قميص مرقوع.
وقال عبد الله بن العلاء: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب في الجمع بخطبة واحدة يرددها ويفتتحها بسبع كلامات: الحمد الله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ثم يوصي بتقوى الله، ويتكلم، ثم يختم خطبته الأخيرة بهؤلاء الآيات:{يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا}[الزمر: ٥٣] إلى تمامها.
وقال حاجب بن خليفة البرجمي: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة، فقال في خطبته: ألا إن ما سن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحباه فهو دين نأخذ به، وننتهي إليه، وما سن سواهما فإنا نرجئه.