للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سنة ست وعشرين، وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية.

وكان جوادًا ممدّحًا مليح الشكل، محببًا إلى الرعية، حسن الاعتقاد، تتبّع الزنادقة، وأفنى منهم خلقًا كثيرًا، وهو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد على الزنادقة والملحدين، روى الحديث عن أبيه، وعن مبارك بن فضالة، حدث عنه يحيى بن حمزة، وجعفر بن سليمان الضبعي، ومحمد بن عبد الله الرقاشي، وأبو سفيان سعيد بن يحيى الحميري، قال الذهبي: وما علمت قيل فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وأخرج ابن عدي من حديث عثمان مرفوعًا: "المهدي من ولد العباس عمي" ١ تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم، وكان يضع الحديث، وأورد الذهبي هنا حديث ابن مسعود مرفوعًا: "المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي" ٢ أخرجه أبو داود والترمذي وصححه.

ولما شبّ المهدي أمّره أبوه على طبرستان وما والاها، وتأدب، وجالس العلماء وتميز، ثم إن أباه عهد إليه، فلما مات بويع بالخلافة، ووصل الخبر إليه ببغداد، فخطب الناس فقال: إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب، وأمر فأطاع واغرورقت عيناه، فقال: قد بكى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيمًا، وقلّدت جسيمًا، فعند الله أحتسب أمير المؤمنين، وبه أستعين على خلافة المسلمين، أيها الناس أسرّوا مثل ما تعلنون من طاعتكم نهبكم العافية، وتحمدوا العاقبة، واخفضوا جناح الطاعة لمن نشر معدلته فيكم وطوى الإصر٣ عنكم، وأهال عليكم السلامة من حيث رآه الله مقدمًا ذلك، والله لأفنين عمري بين عقوبتكم والإحسان إليكم.

قال نفطويه: لما حصلت الخزائن في يدي المهدي أخذ في رد المظالم؛ فأخرج أكثر الذخائر ففرقها، وبر أهله ومواليه.

وقال غيره: أول من هنأ المهدي بالخلافة وعزّاه بأبيه أبو دلامة، فقال:

عيناي واحدة ترى مسرورة ... بأميرها جذلى٤، وأخرى تذرف

تبكي وتضحك تارة، ويسوؤها ... ما أنكرت، ويسرها ما تعرف

فيسوؤها موت الخليفة محرم ... ويسرها أن قام هذا الأرأف

ما إن رأيت كما رأيت، ولا أرى ... شعرًا أسرحه وآخر ينتف

هلك الخليفة يا لدين محمد ... وأتاكم من بعده من يخلف

أهدى لهذا الله فضل خلافة ... ولذاك جنات النعيم تزخرف


١ أخرجه ابن عدي في الكامل "١٩٦/٣".
٢ أخرجه أبو داود "٤٢٨٢/٤"، والترمذي "٢٢٣١/٤". وقال أبو عيسى: حسن صحيح.
٣ الإصر: يطلق الإصر على العهد، والذنب أيضًا الثقل. انظر: مختار الصحاح "١٨".
٤ جذلي: الجذل: الفرح أي فرحة مسرورة. انظر: مختار الصحاح "٩٧".

<<  <   >  >>