وفي سنة تسع وخمسين بايع المهدي بولاية العهد لموسى الهادي، ثم من بعده لهارون الرشيد، ولديه.
وفي سنة ستين فتحت أربد من الهند عنوة؛ وفيها حج المهدي فأنهى إليه حجبة الكعبة أنهم يخافون هدمها؛ لكثرة ما عليها من الأستار، فأمر بها فجردت، واقتصر على كسوة المهدي، وحمل المهدي الثلج إلى مكة، قال الذهبي: لم يتهيأ ذلك لملك قط.
وفي سنة إحدى وستين أمر المهدي بعمارة طريق مكة، وبنى بها قصورًا، وعمل البرك، وأمر بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام، وقصر المنابر، وصيرها على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي سنة ثلاث وستين وما بعدها كثرت الفتوح بالروم.
وفي سنة ست وستين تحول المهدي إلى قصره المسمى بعيساباذ، وأمر فأقيم له البريد من المدينة النبوية، ومن اليمن ومكة إلى الحضرة، بغالًا وإبلًا. قال الذهبي: وهو أول من عمل البريد من الحجاز إلى العراق.
وفيها وفيما بعدها جدّ المهدي في تتبع الزنادقة، وإبادتهم، والبحث عنهم في الآفاق والقتل على التهمة.
وفي سنة سبع وستين أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام، وأدخل في ذلك دورًا كثيرة.
وفي سنة تسع وستين مات المهدي: ساق خلف صيد، فاقتحم الصيد خربة، وتبعه الفرس فدق ظهره في بابها، فمات لوقته، وذلك لثمانٍ بقين من المحرم، وقيل: إنه مات مسمومًا.
وقال سلم الخاسر يرثيه:
وباكية على المهدي عبري ... كأن بها، وما جنت جنونًا
وقد خمشت محاسنها، وأبدت ... غدائرها، وأظهرت القرونا
لئن بلى الخليفة بعد عز ... لقد أبقى مساعي ما بلينا
سلام الله عدة كل يوم ... على المهدي حين ثوى رهينا
تركنا الدين والدنيا جميعًا ... بحيث ثوى أمير المؤمنينا
ومن أخبار المهدي قال الصولي: لما عقد المهدي العهد لولده موسى قال مروان بن أبي حفصة:
عقدت لموسى بالرصافة بيعة ... شد الإله بها عرى الإسلام
موسى الذي عرفت قريش فضله ... ولها فضيلتها على الأقوام
بمحمد بعد النبي محمد ... حي الحلال ومات كل حرام
مهدي أمته الذي أمست به ... للذل آمنة وللإعدام
موسى ولي عهد بالخلافة بعده ... جفت بذاك مواقع الأقلام