وقال آخر:
يابن الخليفة إن أمة أحمد ... تاقت إليك بطاعة أهواؤها
ولتملأن الأرض عدلًا كالذي ... كانت تحدث أمة علماؤها
حتى تمنى لو ترى أمواتها ... من عدل حكمك ما ترى أحياؤها
فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها ... وغدًا عليك إزارها ورداؤها
وأسند الصولي أن امرأة اعترضت المهدي، فقالت: يا عصبة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- انظر في حاجتي: فقال المهدي: ما سمعتها من أحد قط، اقضوا حاجتها. وأعطوها عشرة آلاف درهم.
وقال قريش الختلي: رفع صالح بن عبد القدوس البصري إلى المهدي في الزندقة، فأراد قتله، فقال: أتوب إلى الله، وأنشد لنفسه:
ما يبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه
فصرفه، فلما قرب من الخروج ردّه، فقال: ألم تقل: والشيخ لا يترك أخلاقه؟ قال: بلى، قال: فكذلك أنت لا تدع أخلاقك حتى تموت، ثم أمر بقتله.
وقال زهير: قدم على المهدي بعشرة محدثين: منهم فرج بن فضالة، وغياث بن إبرهيم -وكان المهدي يحب الحمام- فلما أدخل غياث قيل له: حدّث أمير المؤمنين، فحدثه عن فلان عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا سبق إلا في حافر أو نصل" وزاد فيه: "أو جناح" فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم، فلما قام قال: أشهد أن قفاك قفا كذاب، وإنما استجلبت ذلك، ثم أمر بالحمام فذبحت.
وروي أن شريكًا دخل على المهدي، فقال له: لا بدّ من ثلاث: إما أن تلي القضاء، أو تؤدب ولدي وتحدثهم، أو تأكل عندي أكلة؟ ففكر ساعة ثم قال: الأكلة أخف عليّ، فأمر المهدي بعمل ألوان من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك، فأكل، قال الطباخ: لا يفلح بعدها، قال: فحدثهم بعد ذلك، وعلمهم العلم، وولي القضاء لهم.
وأخرج البغويّ في الجعديات عن حمدان الأصبهاني قال: كنت عند شريك، فأتاه ابن المهدي، فاستند وسأل عن حديث، فلم يلتفت شريك، ثم أعاد فعاد، فقال: كأنك تستخف بأولاد الخلفاء، قال: لا، ولكن العلم أزيد عنده أهله من أن يضيعوه، فجثا على ركبتيه ثم سأله، فقال شريك: هكذا يطلب العلم.
ومن شعر المهدي ما أنشده الصولي:
ما يكف الناس عنا ... ما يملّ الناس منا
إنما همتهم أن ... ينبشوا ما قد دفنّا
لو سكنّا بطن أرض ... فلكانوا حيث كنّا
وهمُ إن كاشفونا ... في الهوى يومًا مجنّا