كليب لعمري كان أكثر ناصرًا ... وأيسر ذنبًا منك ضرّج بالدم
فتطير بذلك، وقال: غني غير هذا، فغنت:
أبكي فراقهم عني فأرقها ... إن التفرق للأحباب بكاء
مازال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا، وريب الدهر عدّاء
فاليوم أبكيهم جهدي وأندبهم ... حتى أؤوب وما في مقلتي ماء
فقال لها: لعنك الله ما تعرفين غير هذا؟ فقالت: ظننت أنك تحب هذا ثم غنت:
أما ورب السكون والحرك ... إن المنايا كثيرة الشرك
ما اختلف الليل والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل السلطان عن ملك ... قد زال سلطانه إلى ملك
وملك ذي العرش دائم أبدًا ... ليس بفانٍ ولا بمشترك
فقال لها: قومي لعنك الله فقامت فعثرت في قدح بلور له قيمة فكسرته، فقال: ويحك يا إبراهيم أما ترى؟ والله ما أظن أمري إلا قرب، فقلت: بل يطيل الله عمرك، ويعز ملكك، فسمعت صورتًا من دجلة: {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَان} [يوسف: ٤١] فوثب محمد مغتمًّا، وقتل بعد ليلتين، أخذ وحبس في موضع ثم أدخل عليه قوم من العجم ليلًا فضربوه بالسيف ثم ذبحوه من قفاه وذهبوا برأسه إلى طاهر فنصبها على حائط بستان، ونودي: هذا رأس المخلوع محمد، وجرت جثته بحبل، ثم بعث طاهر بالرأس والبرد والقضيب والمصلى وهو من سعف مبطن إلى المأمون، واشتد على المأمون قتل أخيه، وكان يحب أن يرسل إليه حيًّا ليرى فيه رأيه، فحقد بذلك على طاهر بن الحسين، وأهمله نسيًا منسيًّا إلى أن مات طريدًا بعيدًا، وصدق قول الأمين فإنه كان كتب بخطه رقعة إلى طاهر بن الحسين لما انتدب لحربه فيها: يا طاهر، ما قام لنا منذ قمنا قائم بحقنا فكان جزاؤه عندنا إلا السيف، فانظر لنفسك أو دع، يلوّح بأبي مسلم وأمثاله الذين بذلوا نفوسهم في النصح لهم فكان مآلهم القتل منهم، ولإبراهيم بن المهدي في قتل الأمين:
عوجًا بمغني طلل دائر ... بالخلد ذات الصخر والآجر
والمرمر المسنون يطلى به ... والباب باب الذهب الناضر
وأبلغا عني مقالًا ... إلى المولى عن المأمور والآمر
قولًا له يابن ولي الهدي ... طهّر بلاد الله من طاهر
لم يكفه أن حزّ أوداجه ... ذبح الهدايا بمدى الجازر
حتى أتى يسحب أوصاله ... في شطن، هذا مدى السائر
قد برد الموت على جفنه ... فطرفه منكسر الناظر
ومما قيل فيه: