واكشفهم عما يعتقدون في خلقه وإحداثه، وأعلمهم أني غير مستعين في عملي، ولا واثق بمن لا يوثق بدينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود ومسألتهم عن علمهم في القرآن وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق، واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم والأمر لهم بمثل ذلك.
وكتب المأمون إليه أيضًا في أشخاص سبعة أنفس -وهم محمد بن سعد كاتب الواقدي، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، وأبو مسلم مستملي يزيد بن هارون، وإسماعيل بن داود، وإسماعيل بن أبي مسعود، وأحمد بن إبراهيم الدورقي- فأشخصوا إليه، فامتحنهم بخلق القرآن، فأجابوه، فردهم من الرقة إلى بغداد، وسبب طلبهم أنهم توقفوا أولًا ثم أجابوه تقيّةً.
وكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يحضر الفقهاء ومشايخ الحديث، ويخبرهم بما أجاب به هؤلاء السبعة، ففعل ذلك، فأجابه طائفة، وامتنع آخرون؛ فكتب يحيى بن معين وغيره يقولون: أجبنا خوفًا من السيف.
ثم كتب المأمون كتابًا آخر من جنس الأول إلى إسحاق، وأمره بإحضار من امتنع، فأحضر جماعة منهم أحمد بن حنبل، وبشر بن وليد الكندي، وأبو حسان الزيادي، وعلي بن أبي مقاتل، والفضل بن غانم، وعبيد الله بن عمرو القواريري، وعلي بن الجعد، وسجادة، والذيال بن الهيثم، وقتيبة بن سعيد، وسعدويه الواسطي، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وابن الهرس، وابن علية الأكبر، ومحمد بن نوح العجلي، ويحيى بن عبد الرحمن العمري، وأبو نصر التمار، وأبو معمر القطيعي، ومحمد بن حاتم بن ميمون وغيرهم، وعرض عليهم كتاب المأمون فعرّضوا ووروا ولم يجيبوا ولم ينكروا، فقال لبشر بن الوليد: ما تقول؟ قال: قد عرفت أمير المؤمنين غير مرة، قال: والآن فقد تجدد من أمير المؤمنين كتاب، قال: أقول: كلام الله، قال: لم أسألك عن هذا، أمخلوق هو؟ قال: ما أحسن غير ما قلت لك، وقد استعهدت أمير المؤمنين أن لا أتكلم فيه، ثم قال لعلي بن أبي مقاتل: ما تقول؟ قال: القرآن كلام الله، وإن أمرنا أمير المؤمنين بشيء سمعنا أطعنا، وأجاب أبو حسان الزيادي بنحو من ذلك، ثم قال لأحمد بن حنبل: ما تقول؟ قال: كلام الله، قال أمخلوق هو؟ قال: هو كلام الله، لا أزيد على هذا، ثم امتحن الباقين وكتب بجواباتهم، وقال ابن البكاء الأكبر: أقول: القرآن مجعول ومحدث لورود النص بذلك، فقال له إسحاق بن إبراهيم: والمجعول مخلوق؟ قال: نعم، قال: فالقرآن مخلوق؟ قال لا أقول مخلوق، ثم وجه بجواباتهم إلى المأمون، فورد عليه كتاب المأمون: بلغنا ما أجاب به متصنعة أهل القبلة وملتمسوا الرئاسة فيما ليسوا له بأهل فمن لم يجب أنه مخلوق فامنعه من الفتوى والرواية، ويقول في الكتاب: فأمّا ما قال بشر فقد كذب، لم يكن جرى بين أمير المؤمنين وبينه عهد أكثر من إخباره أمير المؤمنين من اعتقاده كلمة الإخلاص والقول بأن القرآن مخلوق، فادع به إليك، فإن تاب فأشهر أمره، وإن أصر على شركه ودفع أن يكون