وفي سنة عشر تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل، وبلغ جهازها ألوفًا كثيرة، وقام أبوها بخلع القواد وكلفتهم مدة سبعة عشر يومًا، وكتب رقاعًا فيها أسماء ضياع له، ونثرها على القواد والعباسيين؛ فمن وقعت في يده رقعة باسم ضيعة تسلمها، ونثر صينية ملئت جوهرًا بين يدي المأمون عندما زفت إليه.
وفي سنة إحدى عشرة أمر المأمون بأن ينادى: برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير، وإن أفضل الخلق بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب.
وفي سنة اثنتي عشرة أظهر المأمون القول بخلق القرآن مضافًا إلى تفضيل عليّ على أبي بكر وعمر، فاشمأزت النفوس منه، وكاد البلد يفتتن، ولم يلتئم له من ذلك ما أراد، فكفذ عنه إلى سنة ثماني عشرة.
وفي سنة خمس عشرة سار المأمون إلى غزو الروم، ففتح حصن قرة عنوة، وحصن ماجدة، ثم صار إلى دمشق، ثم عاد في سنة ست عشرة إلى الروم وافتتح عدة حصون، ثم عاد إلى دمشق، ثم توجه إلى مصر ودخلها؛ فهو أول من دخلها من الخلفاء العباسيين، ثم عاد في سنة سبع عشرة إلى دمشق والروم.
وفي سنة ثماني عشرة امتحن الناس بالقول بخلق القرآن، فكتب إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين في امتحان العلماء كتابًا يقول فيه: وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشوة الرعية وسفلة العامة ممن لا نظر له ولا روية ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه أهل جهالة بالله، وعمىً عنه، وضلالة عن حقيقة دينه، وقصور أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفوه كنه معرفته، ويفرقوا بينه وبين خلقه، وذلك أنهم ساووا بين الله وبين ما أنزل من القرآن؛ فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه، وقد قال الله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[الزخرف: ٣] فكل ما جعله الله فقد خلقه، كما قال الله تعالى:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام: ١] وقال: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَق}[طه: ٩٩] فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها، وقال:{أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت}[هود: ١] والله محكم كتابه ومفصله فهو خالقه ومبتدعه، ثم انتسبوا إلى السنة، وأظهروا أنهم أهل الحق والجماعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر؛ فاستطالوا بذلك وغروا به الجهال، حتى مال قوم من أهل السّمت الكاذب والتخشع لغير الله إلى موافقتهم، فتركوا الحق إلى باطلهم، واتخذوا دون الله وليجة إلى ضلالهم، إلى أن قال: فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة المنقوصون من التوحيد حظًّا، وأوعية الجهالة، وأعلام الكذب، ولسان إبليس الناطق في أوليائه والهائل على أعدائه من أهل دين الله، وأحق من يتهم في صدقه وتطرح شهادته ولا يوثق به من عمى عن رشده وحظه من الإيمان بالله وبالتوحيد، وكان عمّا سوى ذلك أعمى وأضل سبيلًا، ولعمر أمير المؤمنين، إن أكذب الناس من كذب على الله ووحيه، وتخرّص الباطل، ولم يعرف الله حق معرفته، فاجمع من بحضرتك من القضاة فاقرأ عليهم كتابنا، وامتحنهم فيما يقولون،