للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأى الله عبد الله خير عباده ... فملكه، والله أعلم بالعبد

ألا إنما المأمون للناس عصمة ... مفرقة بين الضلالة والرشد

فقال المأمون: قد أحسن إلا أنه القائل:

أعيناي جودا وابكيا لي محمدًا ... ولا تذخرا دمعًا عليه وأسعدا

فلا تمت الأشياء بعد محمد ... ولا زال شمل الملك فيه مبددًا

ولا فرح المأمون بالملك بعده ... ولا زال في الدنيا طريدًا مشردًا

فهذا بذاك، ولا شيء له عندنا، فقال له الحاجب: فأين عادة أمير المؤمنين في العفو؟ فقال: أما هذا فنعم، فأمر له بجائزة، ورد رزقه عليه.

وأخرج عن علية عن حماد بن إسحاق قال: لما قدم المأمون بغداد جلس للمظالم كل يوم أحد إلى الظهر.

وأخرج عن محمد بن العباس قال: كان المأمون يحب لعب الشطرنج شديدًا، ويقول: هذا يشحذ الذهن، واقترح فيها أشياء. وكان يقول: لا أسمعن أحدًا يقول: تعال حتى نلعب، ولكن يقول: نتداول، أو نتناقل، ولَمْ يكن حاذقًا بها.

وكان يقول: أنا أدبر الدنيا فأتسع لذلك، وأضيق عن تدبير شبرين في شبرين.

وأخرج عن ابن أبي سعيد قال: هجا دعبل المأمون، فقال:

إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرفتك بمقعد

شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد

فلما سمعها المأمون لم يزد على أن قال: ما أقل حياء دعبل! متى كانت خاملًا وقد نشأت في حجر الخلفاء؟ ولم يعاقبه.

وأخرج من طرق عدة: أن المأمون كان يشرب النبيذ.

وأخرج عن الجاحظ قال: كان أصحاب المأمون يزعمون أن لون وجهه وجسده لون واحد، سوى ساقيه فإنهما صفراوان كأنمهما طليتا بالزعفران.

وأخرج عن إسحاق الموصلي قال: قال المأمون: ألذ الغناء ما طرب له السامع، خطأ كان أو صوابًا.

وأخرج عن علي بن الحسين قال: كان محمد بن حامد واقفًا على رأس المأمون وهو يشرب، فاندفعت عريب، فغنت بشعر النابغة الجعدي:

كحاشية البرد اليماني المسهم

فأنكر المأمون ألا تكون ابتدأت بشيء، فأمسك القوم، فقال: نفيت من الرشيد، لئن لم أصدق عن هذا لأقررن بالضرب الوجيع عليه، ثم لأعاقبن عليه أشد العقوبة، ولئن صدقت لأبلغن الصادق أمله، فقال محمد بن حامد: أنا يا سيدي أومأت لها بقبلة، فقال: الآن جاء

<<  <   >  >>