لاشترته بما حوتـ ... ـه يداه لتقبرا
إن موت الحزين أطـ ... يب، من أن يعمرا
فغضب بُغا، وأمر بها فسجنت، فكان آخر العهد بها.
ومن الغرائب أن المتوكل قال للبحتري: قل فيّ شعرًا وفي الفتح بن خاقان فإني أحب أن يحيا معي ولا أفقده فيذهب عيشي ولا يفقدني، فقل في هذا المعنى، فقال:
يا سيدي كيف أخلفت وعدي ... وتثاقلت عن وفاء بعهدي؟
لا أرتني الأيام فقدك يا فتـ ... ـح ولا عرفتك ما عشت فقدي
أعظم الرزء أن تقدم قبلي ... ومن الرزء أن تؤخر بعدي
حذرًا أن تكون إلفًا لغيري ... إذ تفردت بالهوى فيك وحدي
فقتلا معًا كما تقدم.
ومن أخبار المتوكل، أخرج ابن عساكر أن المتوكل رأى في النوم كأن سكرًا سليمًا نيئًا سقط عليه من السماء مكتوبًا عليه جعفر المتوكل على الله، فلما بويع خاض الناس في تسميته فقال بعضهم: نسميه المنتصر، فحدث المتوكل أحمد بن أبي دؤاد بما رأى في منامه، فوجده موافقًا فأمضى، وكتب به إلى الآفاق.
وأخرج عن هشام بن عمار قال: سمعت المتوكل يقول: واحسرتا على محمد بن إدريس الشافعي، كنت أحب أن أكون في أيامه فأراه وأشاهده، وأتعلم منه، فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنام وهو يقول: أيها الناس إن محمد بن إدريس المطّلبي قد صار إلى -رحمة الله- وخلف فيكم علمًا حسنًا فاتبعوه تهدوا، ثم قال: اللهم ارحم محمد بن إدريس رحمة واسعة، وسهل علي حفظ مذهبه، وانفعني بذلك.
قلت: استفدنا من هذا أن المتوكل كان متمذهبًا بمذهب الشافعي، وهو أول من تمذهب من الخلفاء.
وأخرج عن أحمد بن علي البصري قال: وجه المتوكل إلى أحمد بن المعدل وغيره من العلماء، فجمعهم في داره ثم خرج عليهم، فقام الناس كلهم له غير أحمد بن المعدل فقال المتوكل لعبيد الله: إن هذا لا يرى بيعتنا، فقال له: بلى يا أمير المؤمنين، ولكن في بصره سوءًا، فقال أحمد بن المعدل: يا أمير المؤمنين ما في بصري سوء، ولكن نزهتك من عذاب الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فيلتبوأ مقعده من النار". فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه.
وأخرج عن يزيد المهلبي قال: قال لي المتوكل: يا مهلبي، إن الخلفاء كانت تتصعب على الرعية لتطيعها وأنا ألين لهم ليحبوني ويطيعوني.
وأخرج عن عبد الأعلى بن حماد النرسي قال: دخلت على المتوكل فقال: يا أبا يحيى ما أبطأك عنا منذ ثلاث لم نرك، كنا هممنا لك بشيء، فصرفناه إلى غيرك، فقلت: يا أمير