فرمى إليه بالدرة الأخرى.
قال بعضهم: سلّم على المتوكل بالخلافة ثمانية كل واحد منهم أبوه خليفة: منصور بن المهدي، والعباس بن الهادي، وأبو أحمد بن الرشيد، وعبد الله بن الأمين، وموسى بن المأمون، وأحمد بن المعتصم، ومحمد بن الواثق، وابنه المنتصر.
وقال المسعودي: لا يعلم أحد متقدم في جد ولا هزل إلا وقد حظي في دولته، ووصل إليه نصيب وافر من المال، وكان منهمكًا في اللذات والشراب، وكان له أربعة آلاف ووطئ الجميع.
وقال علي بن الجهم: كان المتوكل مشغوفًا بقبيحة أم ولده المعتز لا يصبر عنها، فوقفت له يومًا -وقد كتبت على خديها بالغالية جعفرًا- فتأملها وأنشأ يقول:
وكاتبة المسك في الخد جعفرًا ... بنفسي محط المسك من حيث أثرا
لئن أودعت سطرًا من المسك خدها ... لقد أودعت قلبي من الحب أسطرًا
وفي كتاب المحن للسلمي أن ذا النون أول من تكلم بمصر في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية، فأنكر عليه عبد الله بن الحكم -وكان رئيس مصر من جلة أصحاب مالك- وأنه أحدث علمًا لم يتكلم فيه السلف، ورماه بالزندقة، فدعاه أمير مصر وسأله عن اعتقاده، فتكلم، فرضي أمره، وكتب به إلى المتوكل فأمر بإحضاره، فحمل على البريد، فلما سمع كلامه أولع به وأحبه وأكرمه، حتى كان يقول: إذا ذكر الصالحون فحيهلا بذا النون.
كان المتوكل بايع بولاية العهد لابنه المنتصر، ثم المعتز، ثم المؤيد، ثم إنه أراد تقديم المعتز لمحبته لأمه، فسأل المنتصر أن ينزل عن العهد، فأبى فكان يحضره مجلس العامة، ويحط منزلته ويتهدده ويشتمه ويتوعده، واتفق أن الترك انحرفوا عن المتوكل لأمور، فاتفق الأتراك مع المنتصر على قتل أبيه، فدخل عليه خمسة وهو في جوف الليل في مجلس لهوهٍ، فقتلوه هو ووزيره الفتح بن خاقان وذلك في خامس شوال سنة سبع وأربعين ومائتين.
ورؤي في النوم فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بقليل من السنة أحييتها، ولما قتل رثته الشعراء، ومن ذلك قول يزيد المهلبي:
جاءت منيته والعين هاجعة ... هلا أتته المنايا والقنا قصد
خليفة لم ينل ما ناله أحد ... ولم يضع مثله روح ولا جسد
وكان من حظاياه وصيفة تسمى محبوبة شاعرة عالمة بصنوف العلم عوّادة فلما قتل ضمت إلى بُغا الكبير، فأمر بها يومًا للمنادمة، فجلست منكسة فقال: غني، فاعتلت فأقسم عليها وأمر بالعود، فوضع في حجرها فغنت ارتجالًا:
أي عيش يلذ لي ... لا أرى فيه جعفرًا؟
ملك قد رأيته ... في نجيع معفرًا
كل من كان ذا هيام ... وسقم فقد برا
غير محبوبه التي ... لو ترى الموت يشترى