للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمه أم ولد تسمى وردة، ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة ومائتين، وبويع بالخلافة لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وما قبل بيعته أحد حتى أتى بالمعتز، فقام المهتدي له وسلم عليه بالخلافة، وجلس بين يديه، فجيء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة، فاعترف بذلك ومد يده فبايع المهتدي، فارتفع حينئذ المهتدي إلى صدر المجلس.

وكان المهتدي أسمر، رقيقًا، مليح الوجه، ورعًا متعبدًا، عادلًا، قويًّا في أمر الله، بطلًا، شجاعًا لكنه لم يجد ناصرًا ولا معينًا.

قال الخطيب: لم يزل صائمًا منذ ولي إلى أن قتل، وقال هاشم بن القاسم: كنت بحضرة المهتدي عشية في رمضان، فوثبت لأنصرف، فقال لي: اجلس، فجلست، وتقدم فصلى بنا، ثم دعا بالطعام، فأحضر طبق خلاف وعليه رغيف من الخبز النقي، وفيه آنية فيها ملح طعام وخل وزيت، ودعاني إلى الأكل، فابتدأت آكل ظانًا أنه سيؤتي بطعام، فنظر إليّ وقال: ألم تك صائمًا؟ قلت: بلى، قال: أفلست عازمًا على الصوم؟ فقلت: كيف لا وهو رمضان؟ فقال: كل واستوف فليس ههنا من الطعام غير ما ترى، فعجبت ثم قلت: ولِمَ يا أمير المؤمنين؛ وقد أسبغ الله نعمته عليك؟! فقال: إن الأمر ما وصفت، ولكني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك فغرت على بني هاشم، فأخذت نفسي بما رأيت.

وقال جعفر بن عبد الواحد: ذاكرت المهتدي بشيء، فقلت له: كان أحمد بن حنبل يقول به، ولكنه كان يخالف -أشير إلى من مضى من آبائه- فقال: رحم الله أحمد حنبل والله لو جاز لي أن أتبرأ من أبي لتبرأت منه، ثم قال لي: تكلم بالحق وقل به، فإن الرجل يتكلم بالحق فينبل في عيني.

وقال نفطويه: حدثني بعض الهاشميين أنه وجد للمهتدي سفط في جبة صوف وكساء كان يلبسه بالليل ويصلي فيه، وكان قد اطرح الملاهي، وحرم الغناء، وحسم أصحاء السلطان عن الظلم، وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين، يجلس بنفسه، ويجلس الكتاب بين يديه، فيعملون الحساب، وكان لا يخل بالجلوس الاثنين والخميس، وضرب جماعة من الرؤساء، ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد، وكره مكانه؛ لأنه نسب عنده إلى الرفض.

وقدم موسى بن بغا من الري يريد سامرا لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز، وأخذ أموال أمه ومعه جيشه، فصاحت العامة على ابن وصيف: يا فرعون! قد جاءك موسى، فطلب موسى من بغا الإذن على المهتدي، فلم يأذن له، فهجم بمن معه عليه وهو جالس في دار العدل فأقاموه، وحملوه على فرس ضعيفة، وانتهبوا القصر، وأدخلوا المهتدي إلى دار ناجود وهو يقول: يا موسى اتق الله، ويحك! ما تريد؟ قال: والله ما نريد إلا خيرًا، فاحلف لنا ألا تمالئ صالح بن وصيف، فحلف لهم، فبايعوه حينئذ ثم طلبوا صالِحًا ليناظروه على أفعاله، فاختفى، وندبهم المهتدي إلى الصلح فاتهموه أنه يدري مكانه، فجرى

<<  <   >  >>