في ذلك كلام، ثم تكلموا في خلعه، فخرج إليهم المهتدي من الغد متلقدًا بسيفه، فقال: قد بلغني شأنكم، لست كمن تقدمني مثل المستعين والمعتز، والله ما خرجت إليكم إلا وأن متحنط، وقد أوصيت، وهذا سيفي، والله لأضربن ما استمسكت قائمته بيدي، أما دين، أما حياء، أما دعة؟ لم يكن الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله؟ ثم قال: ما أعلم علم صالح، فرضوا وانفضوا، ونادى موسى بن بغا: من جاء بصالح فله عشرة آلاف دينار، فلم يظفر به أحد، واتفق أن بعض الغلمان دخل زقاقًا وقت الحر، فرأى بابًا مفتوحًا فدخل فمشى في دهليز مظلم، فرأى صالِحًا نائمًا فعرفه -وليس عنده أحد- فجاء إلى موسى فأخبره، فبعث جماعة فأخذوه وقطعت رأسه وطيف به، وتألم المهتدي لذلك في الباطن، ثم رحل موسى ومعه بكيال إلى السن في طلب مساور، فكتب المهتدي إلى بكيال أن يقتل موسى ومفلحًا أحد أمراء الأتراك أيضًا أو يمسكهما، ويكون هو الأمير على الأتراك كلهم، فأوقف بكيال موسى على كتابه، وقال: إني لست أفرح بهذا، وإنما هذا يعمل علينا كلنا، فأجمعوا على قتل المهتدي، وساروا إليه، فقاتل عن المهتدي المغاربة، والفراغنة، والأشروسنية، وقتل من الأتراك في يوم أربعة آلاف، ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة، وأمسك هو فعصر على خصيتيه فمات، وذلك في رجب سنة ست وخمسين، فكانت خلافته سنة إلا خمسة عشر يومًا، وكان لما قامت الأتراك عليه ثار العوام، وكتبوا رقاعًا وألقوها في المساجد: يا معشر المسلمين! ادعو الله لخليفتكم العدل الرضا المضاهي لعمر بن عبد العزيز أن ينصره الله على عدوه.