للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأمسك المعتضد عن ذلك.

وفي سنة خمس وثمانين هبت ريح صفراء بالبصرة ثم صارت خضراء، ثم صارت سوداء، وامتدت في الأمصار، ووقع عقبها برد، وزنة البردة مائة وخمسون درهَمًا، وقلعت الريح نحو خمسمائة نخلة، ومطرت قرية حجارة سودًا وبيضًا.

وفي سنة ست وثمانين ظهر بالبحرين أبو سعيد القرمطي، وقويت شوكته -وهو أبو أبي طاهر سليمان الذي يأتي أنه قلع الحجر الأسود- ووقع القتال بينه وبين عسكر الخليفة، وأغار على البصرة ونواحيها، وهزم جيش الخليفة مرات.

ومن أخبار المعتضد ما أخرجه الخطيب وابن عساكر عن أبي الحسين الخصيبي، قال: وجه المعتضد إلى القاضي أبي حازم يقول: إن لي على فلان مالًا، وقد بغلني أن غرماء أثبتوا عندك، وقد قسطت لهم من ماله، فاجعلنا كأحدهم، فقال أبو حازم: قل له: أمير المؤمنين -أطال الله بقاءه! - ذاكر لما قال لي وقت قلدني: إنه قد أخرج الأمر من عنقه وجعله في عنقي، ولا يجوز لي أن أحكم في مال رجل لمدع إلا ببينة، فرجع إليه فأخبره، فقال: قل له: فلان وفلان يشهدان -يعني: رجلين جليلين- فقال: يشهدان عندي، وأسأل عنهما؟ فإن زكيا قبلت شهادتهما، وإلا أمضيت ما قد ثبت عندي، فامتنع أولئك من الشهادة فزعًا، ولم يدفع إلى المعتضد شيئًا.

قال ابن حمدون النديم: غرم المعتضد على عمارة البحيرة ستين ألف دار، وكان يخلو فيها مع جواريه وفيهن محبوبته دريرة، فقال ابن بسام:

ترك الناس بحيره ... وتخلى في البحيرة

قاعدًا يضرب بالطبل ... على حر دريرة

فبلغ ذلك المعتضد فلم يظهر أنه بلغه، ثم أمر بتخريب تلك العمارات ثم ماتت دريرة في أيام المعتضد، فجزع عليها جزعًا شديدًا، وقال يرثيها:

يا حبيبًا لم يكن يعـ ... ـدله عندي حبيب

أنت عن عيني بعيد ... ومن القلب قريب

ليس لي بعدك في شـ ... ـيء من اللهو نصيب

لك من قلبي على قلـ ... ـبي وإن بنت رقيب

وخيال منك مذ غبـ ... ـت خيال لا يغيب

لو تراني كيف لي بعـ ... ـدك عول ونحيب؟

وفؤادي حشوه من ... حرق الحزن لهيب

لتيقنت بأني ... فيك محزون كئيب

ما أرى نفسي وإن سلـ ... ـيتها عنك تطيب

لي دمع ليس يعصيـ ... ـني وصبر ما يجيب

<<  <   >  >>