فوفاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطي، فقتل الحجيج في المسجد الحرام قتلًا ذريعًا، وطرح القتلى في بئر زمزم، وضرب الحجر الأسود بدبوس فكسره، قم اقتلعه، وأقام بها أحد عشر يومًا، ثم رحلوا وبقي الحجر الأسود عندهم أكثر من عشرين سنة، ودفعه لهم فيه خمسون ألف دينار، فأبوا حتى أعيد في خلافة المطيع.
وقيل: إنهم لما أخذوه هلك تحته أربعون جملًا من مكة إلى هجر، فلما أعيد حمل على قعود هزيل فسمن.
قال محمد بن الربيع بن سليمان: كنت بمكة سنة القرامطة؛ فصعد رجل لقلع الميزاب وأنا أراه: فعيل صبري وقلت: يا رب ما أحلمك، فقسط الرجل على دماغه فمات، وصعد القرمطي على باب الكعبة وهو يقول:
أنا بالله وبالله أنا ... يخلق الخلق وأفنيهم أنا
ولم يفلح أبو طاهر القرمطي بعدها، وتقطع جسده بالجدري.
وفي هذه السنة هاجت فتنة كبرى ببغداد بسبب قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩] فقالت الحنابلة: معناها يقعده الله على عرشه، وقال غيرهم: بل هي الشفاعة، ودام الخصام، واقتتلوا جماعة كثيرة.
وفي سنة تسع عشرة نزل القرمطي الكوفة، وخاف أهل بغداد من دخوله إليها، فاستغاثوا ورفعوا أصواتهم والمصاحف، وسبوا المقتدر، وفيها دخلت الديلم الدينور وسبوا وقتلوا.
وفي سنة عشرين ركب مؤنس على المقتدر، فكان معظم جند مؤنس البربر، فلما التقى الجمعان رمى البربر المقتدر بحربة سقط منها إلى الأرض ثم ذبحه بالسيف، وشيل رأسه على رمح، وسلب ما عليه، وبقي مكشوف العورة حتى ستر بالجيش، ثم حفر له بالموضع ودفن، وذلك يوم الأربعاء لثلاثٍ بقين من شوال.
وقيل: إن وزيره أخذ له ذلك اليوم طالعًا، فقال له المقتدر: أي وقت هو؟ قال: وقت الزوال، فتطير وهم بالرجوع، فأشرفت خيل مؤنس، ونشبت الحرب.
وأما البربري الذي قتله فإن الناس صاحوا عليه، فسار نحو دار الخلافة ليخرج القاهر فصادفه حمل شوك فزحمه إلى دكان لحمام فعلقه كلاب، وخرج الفرس من مشواره من تحته فمات؛ فحطه الناس وأحرقوه بالحمل والشوك.
وكان المقتدر جيد العقل، صحيح الرأي لكنه كان مؤثرًا للشهوات والشراب مبذرًا، وكان النساء غلبن عليه، فأخرج عليهن جميع جواهر الخلافة ونفائسها، وأعطى بعض حظاياه الدرة اليتيمة ووزنها ثلاثة مثاقيل، وأعطى زيدان القهرمان سبحة جوهر لم ير مثلها، وأتلف أموالًا كثيرة، وكان في داره أحد عشر ألف غلام خصيان غير الصقالبة والروم والسود، وخلف اثني عشر ولدًا ذكرًا، وولي الخلافة من أولاده ثلاثة: الراضي، والمتقي، والمطيع، وكذلك اتفق للمتوكل، والرشيد. وأما عبد الملك فولي الأمر من أولاده أربعة، ولا نظير لذلك إلا في الملوك، كذا قال الذهبي.