وفي سنة ست وستين مات المنتصر بالله الحكم بن الناصر لدين الله الأموي صاحب الأندلس، وقام بعده ابنه المؤيد بالله هشام.
وفي سنة سبع وستين التقى عز الدولة، فظفر عضد الدولة، وأخذ عز الدولة أسيرًا، وقتله بعد ذلك، وخلع الطائع على عضد الدولة خلع السلطنة، وتوجه بتاج مجوهر، وطوقه، وسوره، وقلده سيفًا، وعقد له لواءين بيده: أحدهما مفضض على رسم الأمراء، والآخر مذهب على رسم ولاة العهود، ولم يعقد هذا اللواء الثاني لغيره قبله، وكتب له عهدًا، وقرئ بحضرته، ولم يبقَ أحد إلا تعجب، ولم تجرِ العادة بذلك، إنما كان يدفع العهد إلى الولاة بحضرة أمير المؤمنين، فإذا أخذه قال أمير المؤمنين: هذا عهدي إليك فاعمل به.
وفي سنة ثمانٍ وستين أمر الطائع أن تضرب الدبادب على باب عضد الدولة في وقت الصبح والمغرب والعشاء، وأن يخطب له على منابر الحضرة.
قال ابن الجوزي: وهذان أمران لم يكونا من قبله، ولا أطلقا لولاة العهود وقد كان معز الدولة أحب أن تضرب له الدبادب بمدينة السلام، فسأل المطيع في ذلك فلم يأذن له، وما حظى عضد الدولة بذلك إلا لضعف أمر الخلافة.
وفي سنة تسع وستين ورد رسول العزيز صاحب مصر إلى بغداد، وسأل عضد الدولة الطائع أن يزيد في ألقابه: تاج الملة، ويجدد الخلع عليه ويلبسه التاج، فأجابه.
وجلس الطائع على السرير وحوله مائة بالسيوف والزينة، وبين يديه مصحف عثمان وعلى كتفه البردة وبيده القضيب، وهو متقلد بسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وضربت ستارة بعثها عضد الدولة، وسأل أن تكون حجابًا للطائع حتى لا يقع عليه عين أحد من الجند قبله.
ودخل الأتراك والديلم، وليس مع أحد منهم حديد، ووقف الأشراف وأصحاب المراتب من الجانبين، ثم أذن لعضد الدولة فدخل، ثم رفعت الستارة وقبل عضد الدولة الأرض، فارتاع زياد القائد لذلك، وقال لعضد الدولة: ما هذا أيها الملك؟ أهذا هو الله؟! فالتفت إليه وقال: هذا خليفة الله في الأرض.
ثم استمر يمشي ويقبل الأرض سبع مرات، فالتفت الطائع إلى خالص الخادم، وقال: استدنه، فصعد عضد الدولة، فقبل الأرض مرتين، فقال له: ادن إلي، فدنا، وقبلرجله، وثنى الطائع يمينه عليه وأمره، فجلس على الكرسي بعد أن كرر عليه: اجلس، وهو يستعفي، فقال له: أقسمت عليك لتجلسن، فقبل الكرسي وجلس، فقال له الطائع: قد رأيت أن أفوض إليك ما وكل الله من أمور الرعية في شرق الأرض وغربها، وتدبيرها في جميع جهاتها سوى خاصتي وأسبابي، فتول ذلك، فقال: يعينني الله على طاعة مولانا أمير المؤمنين وخدمته، ثم أفاض عليه الخلع وانصرف.
قلت: انظر إلى هذا الأمر، وهو الخليفة المستضعف الذي لم تضعف الخلافة في زمن أحد