ما ضعفت في زمنه، ولا قوى أمر سلطان ما قوى أمر عضد الدولة.
وقد صار الأمر في زماننا إلى أن الخليفة يأتي السلطان يهنئه برأس الشهر، فأكثر ما يقع من السلطان في حقه أن ينزل عن مرتبته، ويجلسا معًا خارج المرتبة، ثم يقوم الخليفة ويذهب كأحد الناس، ويجلس السطان في دست مملكته.
ولقد حدثت أن السلطان الأشرف برسباي لما سافر إلى آمد لقتال العدو وصحب الخليفة معه وكان الخليفة راكبًا أمامه يحجبه، والهيبة والعظمة للسلطان والخليفة كآحاد الأمراء الذين في خدمة السلطان.
وفي سنة سبعين خرج من همذان عضد الدولة، وقدم بغداد، فتلقاه الطائع، ولم تجرِ عادة بخروج الخلفاء لتلقي أحد.
فلما توفيت بنت معز الدولة ركب المطيع إليه، فعزاه، فقبل الأرض، وجاء رسول عضد الدولة يطلب من الطائع أن يتلقاه، فما وسعه التأخر.
وفي سنة اثنتين وسبعين مات عضد الدولة، فولى الطائع مكانه في السلطنة ابنه صمصام الدولة، ولقبه: شمس الملة، وخلع عليه سبع خلع، وتوجه، وعقد له لواءين،
ثم في سنة ثلاث وسبعين مات مؤيد الدولة أخو عضد الدولة.
وفي سنة خمس وسبعين هم صمصام الدولة أن يجعل المكس على ثياب الحرير والقطن مما ينسج ببغداد ونواحيها، ووقع له ضمان ذلك ألف ألف درهم في السنة، فاجتمع الناس في جامع المنصور، وعزموا على المنع من صلاة الجمعة، وكاد البلد يفتتن، فأعفاهم من ضمان ذلك.
وفي سنة ست وسبعين قصد شرف الدولة أخاه صمصام الدولة، فانتصر عليه وكحله، ومال العسكر إلى شرف الدولة، وقدم بغداد، وركب الطائع إليه يهنئه بالبلاد، وعهد إليه بالسلطنة، وتوجه، وقرئ عهده والطائع يسمع.
وفي سنة ثمانٍ وسبعين أمر شرف الدولة برصد الكواكب السبعة في سيرها كما فعل المأمون،
وفيها اشتد الغلاء ببغداد جدًّا، وظهر الموت بها، ولحق بالبصرة حر وسموم تتساقط منه، وجاءت ريح عظيمة بفم الصلح حرقت الدجلة، حتى ذكر أنه بانت أرضها، وأغرقت كثيرًا من السفن، واحتملت زورقًا منحدرًا وفيه دواب، فطرحت ذلك في أرض جوخى فشوهد بعد أيام.
وفي سنة تسع وسبعين مات شرف الدولة، وعهد إلى أخيه أبي نصر، فجاءه الطائع إلى دار المملكة يعزيه، فقبل الأرض غير مرة، ثم ركب أبو نصر إلى الطائع وحضر الأعيان، فخلع الطائع على أبي نصر سبع خلع أعلاها سوداء، وعمامة سوداء، وفي عنقه طوق كبير، وفي يده سواران، ومشى الحجاب، بين يديه بالسيوف، ثم قبل الأرض بين يدي الطائع، وجلس على كرسي، وقرئ عهده؛ ولقبه الطائع: بهاء الدولة، وضياء الملة.