قال الذهبي: وهو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد، وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك، وافتتح بلادًا كثيرة من بلاد النصارى، واستوزر فظلم الملك، فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سب الأشعرية، وانتصر للشافعية وأكرم إمام الحرمين، وأبا القاسم القشيري، وبنى النظامية، قيل: وهي أول مدرسة بنيت للفقهاء.
وفي سنة ثمانٍ وخمسين ولدت بباب الأزج صغيرة لها رأسان ووجهان ورقبتان على بدن واحد، وفيها ظهر كوكب كأنه دارة القمر ليلة تمامه بشعاع عظيم، وهال الناس ذلك، وأقام عشر ليالٍ، ثم تناقص ضوؤه وغاب.
في سنة تسع وخمسين فرغت المدرسة النظامية ببغداد، وقرر لتدريسها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فاجتمع الناس، فلم يحضر واختفى، فدرس ابن الصباغ صاحب الشامل، ثم تلطفوا بالشيخ أبي إسحاق حتى أجاب ودرس.
وفي سنة ستين كانت بالرملة الزلزلة الهائلة التي خربتها حتى طلع الماء من رءوس الآبار، وهلك من أهلها خمسة وعشرون ألفًا، وأبعد البحر عن ساحله مسيرة يوم، فنزل الناس إلى أرضه يلتقطون السمك، فرجع الماء عليهم فأهلكهم.
وفي سنة إحدى وستين احترق جامع دمشق، وزالت محاسنه، وتشوه منظره، وذهبت سقوفه المذهبة.
وفي سنة اثنتين وستين ورد رسول أمير مكة على السلطان ألب أرسلان بأنه أقام الخطبة العباسية، وقطع خطبة المستنصر المصري، وترك الأذان بحي على خير العمل، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعًا.
وسبب ذلك ذلة المصريين بالقحط المفرط سنين متوالية حتى أكل الناس، وبلغ الإردب مائة دينار، وبيع الكلب بخمسة دنانير، والهر بثلاثة دنانير.
وحكى صاحب المرآة أن امرأة خرجت من القاهرة ومعها مد جوهر، فقالت: من يأخذ بمدبر؟ فلم يلتفت إليها أحد.
وقال بعضهم يهنئ القائم:
وقد علم المصري أن جنوده ... سنو يوسف فيها وطاعون عمواس
أقامت به حتى استراب بنفسه ... وأوجس منها خيفة أي إيجاس
وفي سنة ثلاث وستين خطب بحلب القائم، والسلطان ألب أرسلان، لما رأوا قوة دولتهما وإدبار دولة المستنصر.
وفيها كانت وقعة عظيمة بين الإسلام والروم، ونصر المسلمون، ولله الحمد، ومقدمتهم السلطان ألب أرسلان، وأسر ملك الروم، ثم أطلق بمال جزيل، وهادنه خمسين سنة.
ولما أطلق قال للسلطان: أين جهة الخليفة؟ فأشار له، فكشف رأسه وأومأ إلى الجهة بالخدمة.