وفي هذه السنة من أيامه مات المستنصر العبيدي صاحب مصر، وقام بعده ابنه المستعلي أحمد، وفيها أخذت الروم بلنسية.
وفي سنة ثمانٍ وثمانين قتل أحمد خان صاحب سمرقند؛ لأنه ظهر منه الزندقة، فقبض عليه الأمراء وأحضروا الفقهاء؛ فأفتوا بقتله -لا رحمه الله- وملكوا ابن عمه.
وفي سنة تسع وثمانين اجتمعت الكواكب السبعة سوى زحل في برج الحوت، فحكم المنجمون بطوفان يقارب طوفان نوح، فاتفق أن الحجاج نزلوا في دار المناقب فأتاهم سيل غرق أكثرهم.
وفي سنة تسعين قتل السلطان أرسلان أرغون بن ألب أرسلان السلجوقي صاحب خراسان؛ فتملكها السلطان بركياروق، ودانت له البلاد والعباد. وفيها خطب للعبيدي بحلب وأنطاكية والمعرة وشيزر شهرًا، ثم أعيدة الخطبة العباسية، وفيها جاءت الفرنج فأخذوا نيقية، وهو أول بلد أخذوه ووصلوا إلى كفرطاب واستباحوا تلك النواحي، فكان هذا أول مظهر الفرنج بالشام، قدموا في بحر القسطنطينية في جمع عظيم، وانزعجت الملوك والرعية، وعظم الخطب، فقيل: إن صاحب مصر لما رأى قوة السلجوقية واستيلائهم على الشام كاتب الفرنج يدعوهم إلى المجيء إلى الشام ليملكوها، وكثر النفير على الفرنج من كل جهة.
وفي سنة اثنتين وتسعين انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان. وفيها أخذت الفرنج لبيت المقدس بعد حصار شهر ونصف، وقتلوا به أكثر من سبعين ألفًا، ومنهم جماعة من العلماء، والعباد، والزهاد، وهدموا المشاهد، وجمعوا اليهود في الكنيسة وأحرقوها عليهم، وورد المستنفرون إلى بغداد، فأوردوا كلامًا أبكى العيون، واختلفت السلاطين؛ فتمكنت الفرنج من الشام، وللأبيوردي في ذلك:
مزجنا دماء بالدموع السواجم ... فلم يبق منا عرصة للمراحم
وشر سلاح المرء دمع يفيضه ... إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
فإِيهًا بني الإسلام إن وراءكم ... وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
أنائمة في ظل أمن وغبطة ... وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العين ملء جفونها ... على هبوات أيقظت كل نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم ... ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الروم الهوان وأنتم ... تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
فكم من دماء قد أبيحت ومن دم ... توارى حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبا ... وسمر العوالي داميات اللهازم
يكاد لهن المستجن بطيبة ... ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم
أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا ... رماحهم والدين واهي الدعائم
ويجتنبوه النار خوفًا من الردى ... ولا يحسبون العار ضربة لازم
أترضى صناديد الأعارب بالأذى ... وتغضي على ذل كماة الأعاجم
فليتهم إذ لم يذودوا حمية ... عن الدين ضنوا غيرة بالمحارم