فيها خرج محمد بن ملكشاه على أخيه السلطان بركياروق، فانتصر عليه، فقلده الخليفة ولقبه: غياث الدنيا والدين، وخطب له ببغداد، ثم جرت بينهما عدة وقعات.
وفيها نقل المصحف العثماني من طبرية إلى دمشق -خوفًا عليه- وخرج الناس لتلقيه، فآووه في خزانة بمقصورة الجامع.
وفي سنة أربع وتسعين كثر أمر الباطنية بالعراق، وقتلهم الناس، واشتد الخطب بهم، حتى كانت الأمراء يلبسون الدروع تحت ثيابهم، وقتلوا الخلائق، منهم الروياني صاحب البحر، وفيها أخذ الفرنج بلد سروج، وحيفا، وأرسوف، وقيسارية.
وفي سنة خمس وتسعين مات المستعلي صاحب مصر، وأقيم بعده الآمر بأحكام الله منصور، وهو طفل له خمس سنين.
وفي سنة ست وتسعين جرت فتن للسلطان، فترك الخطباء الدعوة للسلطان، واقتصروا على الدعوة للخليفة لا غير.
وفي سنة سبع وتسعين وقع الصلح بين السلطانين: محمد وبركياروق، وسببه أن الحروب لما تطاولت بينهما، وعم الفساد، وصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والسلطنة مطموعًا فيها، وأصبح الملوك مقهورين بعد أن كانوا قاهرين، ودخل العقلاء بينهما في الصلح، وكتبت العهود والأيمان والمواثيق، وأرسل الخليفة خلع السلطة إلى بركياروق، وأقيمت له الخطبة ببغداد.
وفي سنة ثمانٍ وتسعين مات السلطان بركياروق، فأقام الأمراء بعده ولده جلال الدولة ملكشاه، وقلده الخليفة، وخطب له ببغداد، وله دون خمس سنين، فخرج عليه عمه محمد، واجتمعت الكلمة عليه، فقلده الخليفة، وعاد إلى أصبهان سلطانًا، متمكنًا مهيبًا كثير الجيوش.
وفيها كان ببغداد جدري مفرط، مات فيه خلق من الصبيان لا يحصون، وتبعه وباء عظيم.
وفي سنة تسع وتسعين ظهر رجل بنواحي نهاوند فادعى النبوة، وتبعه خلق، فأخذ وقتل.
وفي سنة خمسمائة أخذت قلعة أصبهان التي ملكها الباطنية وهدمت وقتلوا، وسلخ كبيرهم وحشي جلده تبنًا، فعل ذلك السطان محمد بعد حصار شديد، فلله الحمد.
وفي سنة إحدى وخمسمائة، رفع السلطان الضرائب والمكوس ببغداد، وكثر الدعاء له، وزاد في العدل وحسن السيرة.
وفي سنة اثنتين عادة الباطنية فدخلوا شيرز على حين غفلة من أهلها فملكوها وملكوا القلعة، وأغلقوا الأبواب، وكان صاحبها خرج يتنزه، فعاد وأبادهم في الحال، وقتل فيها شيخ الشافعية الروياني صاحب البحر، قتله الباطنية في بغداد كما تقدم.
وفي سنة ثلاث أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سنين.
وفي سنة أربع عظم بلاء المسلمين بالفرنج، وتيقنوا استيلاءهم على أكثر الشام، وطلب المسلمون الهدنة، فامتنعت الفرنج، وصالحوهم بألوف دنانير كثيرة، فهادنوهم ثم غدروا لعنهم الله.