وفيها هبت بمصر ريح سوداء مظلمة، أخذت بالأنفاس حتى لا يبصر الرجل يده، ونزل على الناس رمل، وأيقنوا بالهلاك، ثم تجلى قليلًا وعاد إلى الصفرة، وكان ذلك من العصر إلى ما بعد المغرب.
وفيها كانت ملحمة كبيرة بين الفرنج وبين ابن تاشفين صاحب الأندلس، نصر فيها المسلمون، وقتلوا وأسروا، وغنموا ما لا يعبر عنه، وبادت شجعان الفرنج.
وفي سنة سبع جاء مودود صاحب الموصل بعسكر ليقاتل ملك الفرنج الذي بالقدس، فوقعت بينهم معركة هائلة، ثم رجع مودود إلى دمشق، فصلى الجمعة يومًا في الجامع، وإذا باطني وثب عليه فجرحه، فمات من يومه، فكتب ملك الفرنج إلى صاحب دمشق كتابًا فيه: وإن أمة قتلت عميدها في يوم عيد في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها.
وفي سنة إحدى عشرة جاء سيل عرم، غرق سنجار وسورها، وهلك خلق كثير، حتى إن السيل أخذ باب المدينة فذهب به عدة فراسخ واختفى تحت التراب الذي جره السيل، وظهر بعد سنين، وسلم طفل في سرير له حمله السيل فتعلق السرير بزيتونة وعاش وكبر.
وفيها مات السلطان محمد، وأقيم بعده ابنه محمود وله أربع عشرة سنة.
وفي سنة اثنتي عشرة مات الخليفة المستظهر بالله في يوم الأربعاء الثالث والعشرين من ربيع الأول؛ فكانت مدته خمسًا وعشرين سنة، وغسله ابن عقيل شيخ الحنابلة، وصلى عليه ابنه المسترشد، وماتت بعده بقليل جدته أرجوان والدة المقتدي.
قال الذهبي: ولا يعرف خليفة عاشت جدته بعده إلا هذا، رأت ابنها خليفة، ثم ابن ابنها، ثم ابن ابن ابنها ومن شعر المستظهر:
أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا ... لما مددت إلى رسم الوداع بدا
وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد ... أرى طرائق في مهوى الهوى قددا؟
إن كنت أنقض عهد الحب يا سكني ... من بعد هذا فلا عاينتكم أبدًا
وللصارم البطائحي مدحًا:
أصبحت بالمستظهر بن المقتدي ... بالله ابن القائم ابن القادر
مستعصمًا أرجو نوال أكفه ... وبأن يكون من مدحي بشعر سائر
فوقع المستظهر بجائزتين: يخير بن الصلة والانحدار، والمقام والإدرار.
وقال السلفي: قال لي أبو الخطاب بن الجراح: صليت بالمستظهر في رمضان، فقرأت: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَق} [يوسف: ٨١] رواية رويناها عن الكسائي، فلما سلمت قلت: هذه قراءة حسنة فيها تنزيه أولاد الأنبياء عن الكذب.
مات في أيامه من الأعلام: أبو المظفر السمعاني، ونصر المقدسي، وأبو الفرج، وشيذلة، والروياني، والخطيب التبريزي، والكيا الهراسي، والغزالي، والشاشي الذي صنف له كتاب الحلية وسماه المستظهري، والأبيوردي اللغوي.