للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوسط العرب نسبًا، قلت: يا عم وما يقول النبي؟ قال: يقول ما قيل له، إلا أنه لا يظلم، ولا يظلم، ولا يظالم، فلما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آمنت به وصدقته.

وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته، وما تردد فيه" ١ عتم: أي لبثَ.

قال البيهقي٢: وهذا لأنه كان يرى دلائل نبوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويسمع آثاره قبل دعوته، فحين دعاه كان قد سبقه له فيه تفكر ونظر، فأسلم في الحال؛ ثم أخرج عن أبي ميسرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا برز سمع من يناديه: يا محمد، فإذا سمع الصوت وَلَّى هاربًا، فأسر ذلك إلى أبي بكر، وكان صديقًا له في الجاهلية.

وأخرج أبو نعيم وابن عساكر، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كلمت في الإسلام أحدًا إلا أَبَا عليّ، وراجعني الكلام، إلا ابن أبي قحافة، فإني لم أكلمه في شيء إلا قبله واستقام عليه" ٣.

وأخرج البخاري عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إني قلت: أيها الناس، إني رسول الله إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت" ٤.

فصل: في صحبته ومشاهده

قال العلماء: صحب أبو بكر النبي -عليه الصلاة والسلام- من حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه سفرًا ولا حضرًا، إلا فيما أذن له عليه الصلاة والسلام في الخروج فيه من حج وغزو، وشهد معه المشاهد كلها، وهاجر معه، وترك عياله وأولاده رغبة في الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو رفيقه في الغار، قال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠] وقام بنصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غير موضع، وله الآثار الجميلة في المشاهد، وثبت يوم أحد ويوم حنين، وقد فرّ الناس، كما سيأتي في فصل شجاعته.

أخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدر، فقالوا: أما ترون الصديق مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العريش؟

وأخرج أبو يعلى، والحاكم، وأحمد، عن علي قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر ولأبي بكر: "مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل" ٥.


١ أورده ابن كثير في البداية والنهاية "٢٧/٣".
٢ أخرجه البيهقي في دلائل النبوة "١٦٤/٢".
٣ أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان "٣٢٥/٢".
٤ أخرجه البخاري "٤٦٤٠/٨".
٥ أخرجه أبو يعلى في مسنده "٣٤٠/١"، وأحمد في المسند "١١٧/١" بنحوه، والحاكم في المستدرك "٦٨/٣". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>