للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخرج ابن عساكر عن ابن سيرين: أن عبد الرحمن بن أبي بكر كان يوم بدر مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدر، فانصرفت عنك ولم أقتلك، فقال أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك.

قال ابن قتيبة: معنى أهدفت: أشرفت، ومنه قيل للبناء المرتفع: هدف.

فصل: في شجاعته وأنه أشجع الصحابة رضي الله عنه

أخرج البزار في مسنده عن علي أنه قال: أخبروني من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت، قال: أما إني ما بارزت أحدًا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر، إنه لما كان يوم بدر، فجعلنا لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- عريشًا، فقلنا: من يكون مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لئلا يهوى إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لا يهوى إليه أحد إلا هوى إليه؛ فهو أشجع الناس، قال علي رضي الله عنه: لقد رأيت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وأخذته قريش، فهذا يجبأه١، وهذا يتلتله٢، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلها واحدا؟ قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا، ويجبأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم! أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، ثم رفع على بردة كانت عليه، فبكى حتى اخضلّت٣ لحيته ثم قال: أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ فوالله لساعة من أبي بكر خير من ألف ساعة من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه.

وأخرج البخاري عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما صنع المشركون برسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبيانات من ربكم؟ ٤.

وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده عن أبي بكر، قال: لما كان يوم أحد انصرف الناس كلهم عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فكنت أول من فاء، وسيأتي تتمة الحديث في مسند ما رواه.


١ يجبأ: أي يخرج، يقال: جبأ عليه يجبأ إذا خرج، وفي حديث أسامة: "فلما رأونا جبئوا من أخبيتهم" أي: خرجوا. انظر: النهاية في غريب الحديث "٢٣٣/١".
٢ يتلتله: هو في الأصل: السوق بعنف، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: "أتى بشارب فقال: تلتلوه" وهو أن يحرك ويستنكه ليعلم هل شرب أم لا.
٣ اخضلّت لحيته: أي ابتلت بالدموع، يقال: خضل، واخضل إذا ندى.
٤ أخرجه البخاري "٣٦٧٨/٧".

<<  <   >  >>