قال الذهبي: أجاز الناصر لجماعة من الأعيان، فحدثوا عنه: منهم ابن سكينة، وابن الأخضر، وابن النجار، وابن الدامغاني، وآخرون.
قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي وغيره: قل بصر الناس في آخر عمره، وقيل: ذهب كله، ولم يشعر بذلك أحد من الرعية، حتى الوزير وأهل الدار، وكان له جارية قد علمها الخط بنفسه، فكانت تكتب مثل خطه، فتكتب على التواقيع.
وقال شمس الدين الجزري: كان الماء الذي يشربه الناصر تأتي به الدواب من فوق بغداد بسبعة فراسخ، ويغلى سبع غلوات كل يوم غلوة، ثم يحبس في الأوعية سبعة أيام، ثم يشرب منه، ومع هذا ما مامت حتى سقى المرقد مرات، وشق ذكره، وأخرج منه الحصى، ومات منه يوم الأحد سلخ رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة.
ومن لطائفه أن خادمًا له اسمه يمن كتب إليه ورقة فيها عتب، فوقع فيها:
بمن يمن يمن ... بمن ثمن ثمن
ولما تولى الخليفة بعث إلى السطلان صلاح الدين بالخلع والتقليد، وكتب إليه السلطان كتابًا يقول فيه: والخادم -ولله الحمد- يعدد سوابق في الإسلام، والدولة العباسية لا يعمرها أولية أبي مسلم؛ لأنه والى ثم وارى، ولا آخرية طغرلبك؛ لأنه نصر ثم حجر، والخادم خلع من كان ينازع الخلافة رداءها، وأساغ الغصة التي أذخر الله للإساغة في سيفه ماءها، فرجل الأسماء الكاذبة الراكبة على المنابر، وأعز بتأييد إبراهيم فكسر الأصنام الباطنة بسيفه الطاهر.
ومن الحوادث في أيامه منشورة في سنة سبع وسبعين وخمسمائة، أرسل الملك الناصر يعاتب السلطان صلاح الدين في تسميته بالملك الناصر مع علمه أن الخليفة اختار هذه التسمية لنفسه.
وفي سنة ثمانين جعل الخليفة مشهد موسى الكاظم أمنًا لمن لاذ به، فالتجأ إليه خلق، وحصل بذلك مفاسد.
وفي سنة إحدى وثمانين ولد بالعلث ولد طول جبهته شبر وأربع أصابع، وله أذن واحدة، وفيها وردت الأخبار بأنه خطب للناصر بمعظم بلاد المغرب.
وفي سنة اثنتين وثمانين اجتمع الكواكب الستة في الميزان، فحكم المنجمون بخراب العالم في جميع البلاد بطوفان الريح، فشرع الناس في حفر مغارات في التخوم وتوثيقها، وسد منافسها على الريح، ونقلوا إليها الماء والزاد، وانتقلوا إليها، وانتظروا الليلة التي وعدوا فيها بريح كريح عاد، وهي الليلة التاسعة من جمادى الآخرة، فلم يأت فيها شيء، ولا هب فيها نسيم، بحيث أوقدت الشموع، فلم يتحرك فيها ريح تطفئها، وعملت الشعراء في ذلك، فمما قيل فيه قول أبي الغنائم محمد بن المعلم:
قل لأبي الفضل قول معترف ... مضى جمادى وجاءنا رجب
وما جرت زعزع كما حكموا ... ولابدا كوكب له ذنب