قال أبو شامة: وهذا البرج كان قفل الديار المصرية، وهو برج عالٍ في وسط النيل ودمياط بحذائه من شرقيه، والجزيرة بحذائه من غربيه، وفي نحايته سلسلتان تمتد إحداهما على النيل إلى دمياط، والأخرى على النيل إلى الجزيرة تمنعان عبوب المراكب من البحر المالح.
وفي سنة ست عشرة أخذت الفرنج دمياط بعد حروب ومحاصرات، وضعف الملك الكامل عن مقاومتهم، فبدعوا فيها، وجعلوا الجامع كنيسة، فابتنى الملك الكامل مدينة عند مفرق البحرين سموها المنصورة، وبنى عليها سورًا ونزلها بجيشه.
وفي هذه السنة كاتبه قاضي القضاة ركن الدين الظاهر وكان الملك المعظم صاحب دمشق في نفسه منه، فأرسل له بقجة فيها قباء وكلوته وأمره بلبسها بين الناس في مجلس حكمه، فلم يمكنه الامتناع، ثم قام ودخل داره ولزم بيته، ومات بعد أشهر قهرًا، ورمى قطعًا من كبده، وتأسف الناس لذلك، واتفق أن الملك المعظم أرسل في عقب ذلك إلى الشرف بن عنين حين تزهد خمرًا وبردًا، وقال: سبح بهذا فكتب إليه يقول:
يا أيها الملك المعظم سنة ... أحدثتها تبقى على الآباد
تجري الملوك على طريقك بعدها ... خلع القضاة وتحفة الزهاد
وفي سنة ثماني عشرة استردت دمياط من الفرنج فلله الحمد.
وفي سنة إحدى وعشرين بنيت دار الحديث الكاملية بالقاهرة بين القصرين وجعل شيخها أبا الخطاب بن دحية، وكانت الكعبة تكسى الديباج الأبيض من أيام المأمون إلى الآن فكساها الناصر ديباجًا أخضر، ثم كساها ديباجًا أسود فاستمر إلى الآن.
وممن مات في أيام الناصر من الأعلام: الحافظ أبو طاهر السلفي، وأبو الحسن بن القصار اللغوي، والكمال أبو البركات بن الأنباري، والشيخ أحمد بن الرفاعي الزاهد، وابن بشكوال، ويونس والد يونس الشافعي، وأبو بكر بن طاهر الأحدب النحوي، وأبو الفضل والد الرافعي وابن ملقون النحوي وعبد الحق الإشبيلي صاحب: الأحكام، وأبو زيد السهلي صاحب: الروض الأنف، والحافظ أبو موسى المديني، وابن بري اللغوي، والحافظ أبو بكر الحازمي، والشرف بن أبي عصرون، وأبو القاسم البخاري، والعتابي صاحب: الجامع الكبير، من كبار الحنفية، والنجم الحبوشاني المشهور بالصلاح، وأبو القاسم بن فيرة الشاطبي صاحب القصيدة، وفخر الدين أبو شجاع محمد بن علي بن شعيب بن الدهان الفرضي، أول من وضع الفرائض على شكل المنبر، والبرهاني المرغيناني صاحب: الهداية، من الحنفية، وقاضيخان صاحب الفتاوى منهم، وعبد الرحيم بن حجون الزاهد بالصعيد، وأبو الوليد بن رشد صاحب العلوم الفلسفية، وأبو بكر بن زهر الطبيبي، والجمال بن فضلان من الشافعية، والقاضي الفاضل صاحب الإنشاء والترسل، والشهاب الطوسي، وأبو الفرج بن الجوزي، والعماد الكاتب، وابن عظيمة المقرئ، والحافظ عبد الغني المقدسي صاحب: العمدة، والبركي الطاوسي صاحب الخلاف، وتميم الحلي، وأبو ذر الخشني النحوي، والإمام فخر الدين الرازي، وأبو السعادات بن الأثير صاحب: جامع الأصول، ونهاية الغريب، والعماد