للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأخرج ابن سعد وابن أبي الدنيا عن أبي السفر، قال: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا ندعوا لك طبيبًا ينظر إليك؟ قال: قد نظر إلي فقالوا: ما قال لك؟ قال: قال: إني فعال لما أريد١.

وأخرج الواقدي من طرق: أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب؟ فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن بن عوف: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر؟ قال: أنت أخبرنا به، فقال: على ذلك، فقال: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن حضير، وغيرهما من المهاجرين، والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخير بعدك، يرضى للرضا ويسخط للسخط، الذي يسر خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أقوى عليه منه.

ودخل عليه بعض الصحابة، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد ترى علظته؟ فقال أبو بكر: بالله تخوفني؟ أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من ورائك. ثم دعا عثمان، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلًا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرًا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم أمر بالكتاب فختمه، ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختومًا، فبايع الناس ورضوا به، ثم دعا أبو بكر عمر خاليًا، فأوصاه بما أوصاه، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يديه، وقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم رأيًا، فوليت عليهم خيرهم، وأقواهم عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر، وفاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، اصلح اللهم ولاتهم، واجعله من خلفائك الراشدين، وأصلح له رعيته.

وأخرج ابن سعد والحاكم عن ابن مسعود، قال: أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين استخلف عمر، وصاحبة موسى حين قالت: استأجره، والعزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته: أكرمي مثواه٢.


١ أخرجه ابن سعد في الطبقات "١٨١/٢".
٢ أخرجه الحاكم في المستدرك "٣٤٦،٣٤٥/٢"، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

<<  <   >  >>