للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما [لفظتا] ١ الإله والرّبّ:

فالرّبّ هو المربي باللطف والإحسان العائد بالعطف والامتنان، وهاتان اللفظتان قد تستعملان في حقّ العظيم من الآدميّين تجوزاً وتوسعاً، لكن على جهة التقييد لا جهة الإطلاق، وقد قال أشعيا النبي: "عرف الثور من اقتناه والحمار مربط ربه ولم يعرف ذلك بنو إسرائيل"٢.

وهذه كتب القوم تشهد بأن المعلم / (١/٨٩/أ) والمدبر والقيم يسمى رباً٣، كما أن الرجل رب منْزِله وداره وبيته ورب ماله. قال نبيّنا صلى الله عليه وسلم لرجلٍ:"أربّ إبل أنت أم ربّ غنم؟ "، فقال: من كل آتاني الله فأجزل٤.


١ في ص (لفظتي) ولعل الصواب ما أثبته.
٢ ورد النّصّ في سفر أشعيا ١/٣ كالآتي: "الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف ... ". والفرق واضح بين النّصّ الذي أورده المؤلِّف وبين النّصّ المذكور حالياً في سفر أشعيا والظاهر أن عبارة "والحمار مربط ربه"، كانت موجودة في نسخة المؤلِّف، ثم حرفت بعد ذلك في النسخ التي كتبت بعد زمن المؤلِّف. رحمه الله.
٣ ذكر في قاموس الكتاب ص ٣٩٦، أ، لفظة: (رب) يقصد بها:
١- اسم الجلالة، وفي هذه الحالة تطلق على الأب والابن بدون تمييز سيما في رسائل بولس الرسول.
٢- وقد تستعمل بمعنى: سيد أو مولى دلالة على الاعتبار والإكرام. اهـ.
ويحدّثنا ستيفن نيل عن استعمالا كلمة (رب) في كتابه: "من هو المسيح؟ ص ٤٩" فيقول:"إن الكلمة اليونانية الأصلية التي معناه: (رب) يمكن استعمالها كصيغة للتأديب في المخاطبة، فسبحان فيلبي يخاطب بولس وسيلا بكلمة: (سيدي أو ربي: أعمال ١٦/٣٠"، ولكن يمكن أن تستعمل بمعنى أرفع وأرقى، وكانت تستعمل وصفاً للإمبراطور في كلّ أنحاء الإمبراطوريةالرومانية، كماكانت تستعمل أيضاًلملوك اليهود.
وكانت اللفظة لقباً من ألقاب الكرامة خلع على كثير من الآلهة الوثنية وخاصة آلهة أديان الأسرار، ولهذا السبب ذهب بعض العلماء إلى أن لفظ (الرّبّ) أطلق أوّلاً على يسوع في الجماعات الأممية الناطقة باليونانية؛ وذلك لأنه هو الوصف الذي خلعوه على آلهتهم قبل أن يعتنقوا المسيحية، وكان من الهَيِّن على أولئك الأمم أن يقبلوا هذا اللقب الذي كان مألوفاً لديهم". اهـ.
ويعلق على ذلك الأستاذ محمّد مجدي مرجان - الذي كان نصرانياً فأسلم - بقوله: "والواقع أن لفظ (رب يستعمل في كثير من المجتمعات، وخاصة في الأزمنة القديمة بقصد التكريم والتعظيم، ويتكرر اللفظ كثيراً في أسفار التوراة بمعنى سيد أو معلم". (ر: المسيح إنسان أم إله - محمّد مرجان، ص ١٧٥) .
٤ أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد ص ٥٩، مختصراً، والإمام أحمد ٤/١٣٦، ٥/٥٣، وعنه الطبراني في المعجم الكبير ١٩/٢٨٣، والحافظ أبي بكر الحميدي في مسنده (ح ٨٨٣) ، كلهم من طريق سفيان بن عيينة، قال: ثنا أبو الزعراء عمرو بن عمور عن عمه أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة الجشمي، قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فصعد في النظر وصوب، وقال: "أربّ إبل أنت أو ربّ غنم؟ "، قال: من كل قد آتاني فأكثروا طيب ... الخ". وقال الحافظ في الإصابة ٦/٣٥: "سنده صحيح".

<<  <  ج: ص:  >  >>