قلت: في هذه القصّة افتراء وتجروء على عيسى وأمه - عليهما السلام -، والأدلة على كذب هذه القصّة كثرة منها: أ- ما ذكره المؤلِّف من انفراد يوحنا بذكرها عِلماً بأنها قد حدثت في عرس والحاضرون كثيرون، وهذا من أدلة كذب هذه القصّة حسب المعايير التي وضعها علماء مصطلح الحديث في معرفة الحديث الموضوع ومنها: أن يكون خبراً عن أمر جسيم تتوافر الدواعي على نقله بمحضر الجمع العظيم، ثم لا يرويه إلاّ واحد. (ر: النكت على كتاب ابن الصلاح ٢/٨٤٥، لابن حجر) . ب- أنه قد ورد في إنجيل لوقا ٧/٣٣-٣٥، مدح يوحنا العمداني بأنه لا يشرب الخمر ويتهمون عيسى بأنه يشر بها ويبالغ في ذلك، فكيف يعقل أن يفعل المسيح وأمه هذا المنكروالله تعالى يذمّ الخمر وشاربيها؟! كلاوحاشاهما من ذلك. ج- وردت نصوص كثيرة في النهي عن الخمر وأن السكر بها خطيئة في الكتب المقدسة عندهم ومنها: في سفر اللاويين ١٠/٨: "وكلّم الرّبّ هارون قائلاً: خمرا ومسكراً لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكيلا تموتوا". وفي سفر أشعيا ٥/١١-١٧: "ويل للمبكرين صباحاً يتبعون المسكر، للمتأخرين في العتمة تلهبهم الخمر ... ". وفي سفر ميخا ٦/١٥: "ولا تشرب خمراً". وفي رسالة بولس إلى أهل أفسس ٥/١٨: "ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاصة". وفي رسالته الأولى إلى كورنثوس /١٠: "ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله". وغير ذلك. د- ثم انظر إلى كذبهم وجرأتهم على القول بأن المسيح قال لأمه: ما لي ولك يا امرأة، فهذا من سوء الأدب والعقوق لأمه إن كان خاطبها بهذه القسوة والجفاء، ولكن حاشاه أن يفعل ذلك ولكنه كان عليه السلام كما قال عنه عزوجل على لسان عيسى: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} . [سورة مريم، الآية: ٣٢] . وبعد ذلك كلّه يزعم النصارى أن عيسى عليه السلام فعل كلّ ذلك وهو يعلم أنه نبيّ ولم تحن ساعته بعد وأن عمله كان آية ومعجزة وهم يضمرون غير ذلك من الافتراء والكذب عليه. (ر: دراسة تحللية لإنجيل مرقس - د. محمّد عبد الحليم ص ٣١٨، الفارق بين المخلوق والخالق، باجة جِي زاده ص ٣٢٨، ٣٧٠) .