للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه الثاني: أَنَّا لو قَدَّرنا أنهم بلغوا حدّ التواتر - غير أن التواتر إنما أثبت قتلاً وصلباً لا غير - فلا جرم أن القرآن الكريم لم يَنْفِه، ولكن القرآن إنما نفى أن يكون المفعول به ذلك المسيح نفسه، وأعلمنا أنه كان قد شُبِّه لهم. وهذا القدر لو عُرِض على الذين شاهدوا الصلب وقيل لهم: أتجوِّزون أن يكون هذا الذي قد أُحْضر للقتل ليس هو المسيح، ولكنه رجل قد ألقى الله شبهه عليه أو خلقه الله ابتداء يُشبه المسيح؟! فإنا نعلم أنهم كانوا يجوّزون ذلك ولا يحيلونه؛ لأن تغيير الأشباه والأشكال جائز في مقدور الله تعالى، وإنما يمتنع ذلك في زمان لا تخرق فيه العوائد، وقد كان في زمان المسيح خوارق [لا يخفى] ١ / (١/١٥٤/أ) أمرها، فلا يمتنع أن يكون الله سبحانه قد خرق العادة بإلقاء شبه المسيح على غيره، أو أتاح لهم شخصاً يشبهه، كما خرق العادة فقلب النار برداً وسلاماً على إبراهيم الخليل وعلى الفتية في زمن دانيال عليه السلام، وكما حوَّل لون يد موسى عن لونها الأوّل، وغَيَّر جوهر الماء إلى الخمر والزيت للأنبياء - عليهم السلام -. وإذا كان ذلك جائزاً، فالذين أخبروا أن المصلوبَ المسيحُ ليسوا على ثبت، فلم يوجب خبرهم عِلْماً، فلا جرم قُدِّم تواتر الكتاب العزيز عليهم، وإذا ثبت ذلك لم يقع التعارض بين الأدلة القطعية.

فإن قيل: مَن هو الذي وقع عليه الشَّبه حتى التبس أمره على اليهود والنصارى واشتبه؟


١ في ص (لا تخفى) والصواب ما أثبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>