للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

[ساذجا] ١ عن معرفة ذلك، فلما تناول الشجرة بدت له سوءته، وعرف ما لم يكن يعرف من الخير والشّرّ.

وإذا كان الله سبحانه٢ إنما أراد المماثلة في العلم بالخير والشّرّ بطل قول النصارى إن ذلك [دليل] ٣ على التثليث.

وأما قوله: "ننْزِل نبلبل الألسن". فنُزوله نزول أوامره وتجدد أحكامه وهبوط الملائكة بوحيه، وإلاّ فالحركة والتفريغ والاشتغال يستحيل على القديم سبحانه٤. وقد رُوي عن سيّدنا رسول الله أنه قال: "ينْزِل ربُّنا إلى السماء الدنيا في كلّ ليلة جمعة / (٢/٨/أ) فيقول: هل من تائب ... " الحديث٥.


١ في ص (ساذج) والصواب ما أثبته.
٢ في م: زاد: وتعالى.
٣ في ص (دليلا) والصواب ما أثبته.
٤ في م: زاد: وتعالى.
٥ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينْزِل ربُّنا تبارك وتعالى كلّ ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". أخرجه البخاري. (ر: فتح الباري ٣/٢٩) ، ومسلم ١/٥٢١، والإمام أحمد في المسند ٢/٢٦٤، ٢٦٥.
وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على التصديق بنُزول الله سبحانه وتعالى إلى سماء الدنيا كما ورد في الحديث من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تحريف وتكييف. ووصفه بالنُزول كوصفه بسائر الصفات كالاستواء على العرش والإتيان والمجيء. {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} . [سورة الشورى، الآية: ١١] .
وأما الشبهة التي أوردها المؤلِّف في أن النُزول يستلزم الانتقال والتفريغ والاشتغال, وذلك من خصائص الأجسام التي تمتنع في حقّ الله عزوجل.
فجوابها أن نقول: إن نُزول الله عزوجل وإتيانه ومجيئه لا يشبه نُزول الخلق وإتيانهم ومجيئهم، فلا يلزمه تبارك وتعالى ما لزمهم، فإن الله عزوجل لا يزال فوق العرش، ولا يخلو العرش منه مع دنوه ونُزوله إلى السماء الدنيا، ولا يكون العرش فوقه وكذلك يوم القيامة كما جاء به الكتاب والسنة.
يقول الإمام ابن القيم: "إن الصفة يلزمها لوازم لنفسها وذاتها، فلا يجوز نفي هذه اللوازم عنها لا في حقّ الرّبّ ولا في حقّ العبد، ويلزمها لوازم من جهة اختصاصها بالعبد، فلا يجوز إثبات تلك اللوازم للرّبّ، ويلزمها لوازم من حيث اختصاصها بالرّبّ. فلا يجوز سلبها عنه ولا إثباتها للعبد". اهـ. (ر: مختصر الصواعق٢/٤٨٥) .
يقول ابن قتيبة: "لا نحتم على النُزول منه (الله) بشيء، ولكنا نبيّن كيف النُزول منا وما تحتمله اللغة من هذا اللفظ - والله أعلم بما أراد - والنُزُول منا يكون بمعنيين:
أحدهما: الانتقال عن مكان إلى مكان كنُزولك من الجبل إلى الحضيض ومن السطح إلى الدار.
والمعنى الآخر: إقبالك على الشيء بالإرادة والنية، وكذلك الهبوط والارتقاء والبلوغ والمصير وأشباه هذا من الكلام". اهـ. مختصراً. (ر: تأويل مختلف الحديث ص ١٨٤، ١٨٥.
فالإمام ابن قتيبة يبيّن لنا في كلامه ما تحتمله اللغة من معنى النُزُول الحقيقي بالنسبة للخلق، فعلى المعنى الثاني الذي ذكره ليس فيه انتقال جسم - وهو لازم على المعنى الأوّل - فنُزُول البشر يأتي على تلك الصفتين وهو فيهما حقيقة. إذن فلا يحكم على نُزُول الله تعالى أنه يكون كنُزُول خلقه. وأنه يلزم نزوله ما يلزم نُزُولهم، وإن كان هناك اشتراك في اللفظ فإنه لاشتراك في حقيقة الصفة وقيامها بالمتّصف بها، فصفات الله تعالى لائقة بكماله وجلاله وعظمته، ولا يجوز نفيها عنه عزوجل خوفاً من التشبيه؛ لأنه لا مشابهة بين صفات الخالق وصفات المخلوق. كما لا مشابهة بين ذاته المقدسة وذواتهم. ولأن صفات الخلق مناسبة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم. وصفاته عزوجل مناسبة لعظمته وبقائه وقدرته وغناه سبحانه وتعالى. (للاستزادة ر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي ٣/٤٣٤-٤٥٣، شرح حديث النُزُول للإمام ابن تيمية) .

<<  <  ج: ص:  >  >>