وقد مرّ هذا المذهب بعدة مراحل، حيث بدأ إقراره في مجمع نيقية سنة ٣٢٥م، بتأييد الملك قسطنطين لمذهب تعدد الآلهة واعتبار المسيح ابناً وإلهاً ومستقلاً. ثم في مجمع القسطنطينية الأوّلسنة ٣٨١م، تحددت هوية الثالوث النصراني بالآب والابن في المسيح طبيعتين - خلافاً لليعقوبية - وحيث إن الذي دعا إلى هذا المجمع هو الملك (الإمبراطور) الروماني وتأييده لمذهب ازدواج الطبيعتين فقد أطلق عليه المذهب الملكي أو الملكاني. ثم أضيف إلى هذا المذهب القول بأنّ المسيح له طبيعتان ومشيئتان في مجمع القسطنطينية الثالث سنة ٦٨٠م خلافاً للمارونية القائلين بأنّ المسيح له طبيعتان ومشيئة واحدة. وظلّت الطوائف القائلة بمذهب الملكية (بالطبيعتين والمشيئتين) متّفقة في آرائها إلى أن دَبَّ الخلاف بينها بشأن انبثاق روح القدس. أكان من الأب وحده؟ أم من الأب والابن معا؟ ولأجل ذلك عقد مجمع القسطنطينية الرابع سنة ٨٦٩م، ونتج عنه انفصال الكنيسة الشرقية رئاسة ومذهباً واسماً عن الكنيسة الغربية (مذهب المالكية) ، حيث أصبحت الكنيسة الشرقية تسمى بـ: كنيسة الروم الأرثوذكسية أو اليونانية، وأتباعها يعتقدون بأنّ الروح القدس منبثق عن الأب وحده، وأكثرهم في الشرق باليونان وتركيا وروسيا، وغيرها. ولهم بطاركة أربعة: ١- بطريك القسطنطينية وهو كبيرهم. ٢- بطريك الإسكندرية للروم الأرثوذكس. ٣- بطريك أنطاكية. ٤- بطريك أورشليم. كما تميّزوا باعتقادهم أن الإله الأب أفضل من الإله الابن. وتحريم الدم والمنخنقة وإيجاب استخدام الخبز في العشاء الرباني وغير ذلك. أما الكنسية الغربية اللاتينية فتسمى بـ: الكنيسة البطرسية - نسبة إلى بطرس رئيس الحواريين - الكاثوليكية (نسبة إلى كاثوليك CATHLIQE) وهي كلمة يونانية ومعناها العالمي أو العام. (وهو اصطلاح استخدمته الكنيسة في القرن الثاني الميلادي) . ويرأسها البابا بالفاتيكان في روما. ويعتقد أتباعها أن الروح القدس منبثق عن الأب والابن معاً. وبالمساواة الكاملة بين الأب والابن، وإباحة الدم والمنخنقة واستخدام الفطير بدلاً من الخبز في العشاء الرباني، وتتميّز الكنيسة الكاثوليكية بعدة سمات بارزة، منها: استعمال اللغة اللاتينية. والبخور، واتّخاذ الأيقونات والمصورات البارزة، والتقويم الخاص وغير ذلك. وينتشر أتباعها في معظم بلاد العالم لما لها من النفوذ والمال. ثم حدث انشقاق آخر بداخل الكنيسة الكاثوليكية عند ما ظهر دعاة الإصلاح الكنسي في أوائل القرن (١٦م) بتخليص الكنيسة من مظاهر الفساد. ومن أبرز هؤلاء الدعاة: مارتن لوثر الألماني سنة ١٥٤٦م، وزونجلي السويسري سنة ١٥٣١م، وكلفن الفرنسي سنة ١٥٦٤م. الذين احتجوا على فساد الكنيسة. فسمي مذهبهم بـ: (البروتستانتية PROTESTANNTISME) أي: المحتجّين، وقد سموا أنفسهم بـ: (الإنجيليين) على كنيستهم (الكنيسة الإنجيلية) لدعواهم أنهم يتبعون الإنجيل ويفهمونه بأنفسهم دون الحاجة إلى البابوات. ومن أبرز مبادئهم: إبطال الرئاسة في الدين، وصكوك الغفران والرهبنة، وتحريم التماثيل والصور في الكنيسة، وأن الخبز والخمر في العشاء الرباني لا يتحولان إلى لحم المسيح ودمه وإنما هو وسيلة رمزية. وينتشر أتباعهم في ألمانيا وإنجلترا وأمريكا الشمالية وغيرها. وعندما ظهرت الحاجة إلى توحيد صفّ النّصارى وجمع كلمتهم عقد عام ١٥٦٣م مجمع (مؤتمر) عالمي في الفاتيكان بدعوة من البابا يوحنا الثالث والعشرين لأجل تحقيق الوحدة الدينية بين المذاهب النصرانية المختلفة، فتساهلت بذلك الكنائس والمذاهب النصرانية المختلفة في الاعتراف للكنيسة الكاثوليكية بالتقدم عليها في الرئاسة لا بالسلطان. (ر: قصة الحضارة ١١/٣٩٦، موجز تاريخ المسيحية ص ٣١٣-٣١٨، دائرة المعارف البريطانية ٢/٥٤٣، ٦٤٤، ٨/٢٤٩، قاموس أوكسفورد ص ٢٥٤-٢٥٦، ١١٣٤-١١٣٦،الموسوعة الميسرة ص٣٥٧،١٤٨٩،١٤٩٠،الملل والنحل ١/٢٢٢-٢٢٤، للشهرستاني، الأسفار المقدسة ١٣٣-١٣٦، ١٤٠-١٤٦، النصرانية ١٣٠-١٣٤ الطهطاوي) . ويزعم أتباع هذا المذهب أن الآلهة ثلاثة متميزون ومنفصلون: الأب، والابن، والروح القدس، ومع ذلك فهم شيء واحد في الطبيعة والذات. ويزعمون أنّ الكلمة (وهي أقنوم العلم وهي الابن) قد اتّحدت بجسد المسيح، وأنّ مريم قد ولدت الإله والإنسان وأنهما شيء واحد، وأن الموت والصلب وقع على اللاهوت والناسوت معاً، وإليهم أشار القرآن الكريم بقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ... } . [سورة المائدة، الآية: ٧٣] .