وقد أشار القرآن الكريم إلى اعتقادهم بهذه الأقانيم الثّلاثة، فقال: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُم وَلاَ تَقُولُوا عَلَى الله إِلاَّ الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عَيسَى ابن مَرْيمَ رَسُولُ الله وَكَلْمَتُهُ أَلْقَاَهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بالله وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَة انْتَهُوا خَيراً لَّكُم ... } ، [سورة النساء، الآيتان: ١٧١-١٧٢] . ولقد تناقض أحبارهم في شرح وعرض هذه العقيدة تناقضاً واضحاً؛ بحيث لا يمكن الجمع بين أقوالهم أو الجزم بواحد منها، فقد اختلفوا في التعبير عن ماهية تلك الأقانيم: فقال بعضهم: إنها أشخاص وذوات، وقال بعضهم: إنها خواص، وقال بعضهم: إنها صفات وهكذا. واختلفوا في انبثاق روح القدس، هل هو من الأب وحده؟ أم من الأب والابن معاً؟ ثم اختلفوا في نسبة كلّ من الأقانيم الثّلاثة من الإله المجموع الذي يسمونه الثّالوث، وقال بعضهم: إن كلاّ منها إله بذاته، كالإله المجموع (الثّالوث) ، وقال بعضهم: إن كلاّ منها إلهٌ بذاته، ولكنه دون الإله المجموع، وقال بعضهم: إن هذه الأقانيم ليست آلهة وإنما الإله هو مجموعها: (الثّالوث) ، وهكذا نرى سلسلة طويلة من الاختلافات والتناقضات في أهم أسس عقيدتهم؛ لأن الإيمان بالتّثليث والتوحيد في آنٍ واحدٍ هو إيمان بغير المعقول باعتراف فهمه وإدراكه، وإن من يحاول إدراك سرّ الثّالوث تمام الإدراك كمَن يحاول وضع مياه المحيط كلّها في كفه. ويقول القسّ باسيليوس إسحاق في كتابه: (الحقّ) : "أجلّ إن هذا التعليم عن التّثليث فوق إدراكنا، ولكن عدم إدراكه لا يبطله". ويقول يس منصور في كتابه: (التّثليث والتوحيد) : "إن من الصعب أن نحاول فهم هذا الأمر بعقولنا القاصرة". (ر: النصرانية والإسلام ص: ١٤٩، ١٥٠، محمّد الطهطاوي) . وهذه الشهادات منهم كافية في الدلالة على بطلان هذه العقيدة وفسادها. ٢ قال الإمام ابن تيمية: "وأما قدماء الفلاسفة كأرسطو، وأمثاله، فكانوا يسمّونه (الله) جوهراً، وعنهم أخذت النصارى هذه التسمية، فإن أرسطو كان قبل المسيح بأكثر من ثلاثمائة سنة، ولهذا قال هؤلاء في كتابهم: نعجب مِمَن ينكر ذلك، وهو قد قرأ شيئاً من كتب الفلاسفة والمنطق". اهـ. ثم أورد ابن تيمية سبعة أوجه في الرّدّ على النصارى في تسميتهم الباري عزّ وجلّ بالجوهر. (ر: الجواب الصحيح ٣/٢٠٤-٣٢٧) . ويؤكّد ما ذكره ابن تيمية اعتراف النصارى بذلك، حيث يقول الأب متى المسكين في كتابه: (القديس اثناسيوس الرسولي ص ٣٥١) : "إن الجوهر ESSENTIA بمنعى: الوجود الحقيقي أو الكيان الواقعي، كان هذا التعبير مستخدماً عند أفلاطون قديماً ليفيد لخواص النوعية للمُثل IDEAS العليا أو الحقائق في مقارنتها بالمظاهر التي نراها. ولما جاء أضاف إليها معانٍ جديدة وتثبتها في المحيط الفلسفي الإغريقي، وهي عنده بمعنى: الكائن". اهـ.